وكان الخليل (?) يذهب في إحدى الروايتَين عنه إلى أن الأصل في "لن" "لَا أنَّ"، ثمّ خفّفت لكثرة الاستعمال، كما قالوا: "أيْش"، والأصل: "أيُّ شيءٍ"، فخفّفت، وكما قالوا: "كَينُونَةٌ"، والأصل "كَيّنونة". وهو قول يضعف، إذ لا دليلَ يدل عليه، والحرفُ إذا كان مجموعُه يدلّ على معنى، فإذا لم يدلّ دليل على التركيب؛ وجب أن يُعتقد فيه الإفراد، إذ التركيب على خلاف الأصل. وردّ سيبويه هذه المقالة لجواز تقدم معموله عليه، ولو كانت مركّبة من "لَا أنّ"، لكان ذلك ممتنعًا كامتناعِ "زيدًا لا أن أضربَ". وللخليل أن يقول: إنّهما لما رُكّبا، زال حكمُهما عن حال الإفراد. وكان الفراء يذهَب إلى أن الأصل في "لن"، و"لم"، "لا"، وإنّما أبدل من ألفِ "لا" النون في "لَن"، والميم في "لَمْ". ولا أدري كيف اطّلع على ذلك، إذ ذلك شيء لا يُطلع عليه إلَّا بنَصّ من الواضع.
وأمّا "إذَن"، فحرف ناصب أيضًا لاختصاصه، ونقلِه الفعل إلى الاستقبال، كـ"لن"، وهي جواب وجزاء، فيقول القائل: "أنا أزورُك"، فتقول: "إذن أُكرِمَك". فإنّما أردت إكرامًا توقِعه في المستقبل، وهو جواب لكلامه وجزاءُ زيارته، ولها ثلاثة أحوال:
أحدها: أن تدخل في الفعل في ابتداء الجواب، فهذه يجب إعمالُها لا غير، نحوُ قولك: "إذن أُكرمَك" في جوابِ: "أنا أزورك". قال الشاعر، وهو عبد الله بن محمد الضبي [من البسيط]:
962 - اُزدُدْ حِمارَك لا يَرْتَع برَوْضَتِنا ... إذَنْ يُرَدَّ وقَيْدُ العَيْرِ مَكْرُوبُ