فإنه شاذ، وإن صحت الرواية، فهو محمول على أن يكون الخبر محذوفًا، وابتدأ "إذَنْ" بعد تمام الأول بخبره. وساغ حذف الخبر لدلالة ما بعده عليه، كأنه قال: "لا تتركنّي فيهم غريبًا بعيدًا إِني أذِلُّ، إذًا أهلكَ أو أطيرا"، أو يكون شبّه "إذن" هنا بـ "لَنْ" فلم يُلغِها, لأنهما جميعًا من نواصب الأفعال المستقبلة، ويشبّه "إذن" من عوامل الأفعال بأفعال الشك واليقين, لأنها أيضًا تُعْمَل وتُلْغَى، إلَّا أن أفعال الشك، إذا تأخّرت أو توسّطت، يجوز أن تعمل، و"إذن"، إذا توسّطت بين كلامَيْن أحدُهما محتاج إلى الآخر، لم يجز أن تعمل لأنها حرف، والحروف أضعف في العمل من الأفعال، فلذلك جاز في أفعال اليقين والشكّ الإعمال إذا توسّطت، أو تأخرت، ولم يجز إعمال "إذن" في الموضع الذي ذكرناه.

وأمّا "كَيْ" فللعرب فيها مذهبان: أحدهما: أن تكون ناصبة للفعل بنفسها بمنزلةِ "أنْ"، وتكون مع ما بعدها بمنزلةِ اسم، كما كانت "أن" كذلك. والآخر أن تكون حرف جرّ بمنزلة اللام، فينتصب الفعل بعدها بإضمار "أنْ" كما ينتصب بعد اللام. فماذا كانت بمنزلة "أن"، جاز دخول اللام عليها. قال الله تعالى: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} (?)، و {لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} (?). وقياسُ "كَيْ" هذه أن تكون بمنزلة "أنْ"، ولولا ذلك، لم يجز دخول اللام عليها، لأنّ حرف الجرّ لا يدخل على مثله، فأمّا قول الشاعر [من الوافر]:

964 - فلا واللهِ لا يُلْفَى لِما بي ... ولا لِلِما بهم أبَدًا دَواءُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015