والشاهد فيه وضع "البطن" موضعَ "البطون"، لأنّه اسمُ جنس ينوب واحدُه عن جمعه، فأفرد اجتزاءً بلفظ الواحد عن الجمع؛ لأنّه لمّا أضاف "البطن" إلى ضمير الجماعة؛ عُلم أنّه أراد الجمعَ، إذ لا يكون للجماعة بطنٌ واحدٌ. يصف شدّة الزمان وكَلَبه، يقول: "كلوا في بعض بطونكم"، أي: لا تلمؤوها حتى تعتادوا ذلك، وتَعِفُّوا عن كثرة الأكل، وتقنعوا باليسير، فإنّ الزمان ذو مَخمَصةٍ وجَدْبٍ. وقوله: "زمانكم زمنٌ خميص" كقولهم: "نهارُه صائمٌ، وليلُه قائم". فكما اجتزؤوا بالواحد عن الجمع، كذلك إذا قلت: "عشرون درهمًا" ونحوه من الأعداد المفسَّرة بالواحد، قد عُلم من العدد الجماعة، فجاز أن يُستغنى بلفظ الواحد في التفسير عن الجمع. ومثله قوله [من الرجز]:
851 - لا تُنْكِرُوا القَتْلَ وقد سُبِينَا ... في حَلْقِكم عَظْمٌ وقد شَجِينَا
أفرد "الحلق"، والمراد: حلوقكم؛ لأمْن اللبس. فأمّا قوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} (?)، وقوله تعالى: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} (?)، فإنّما أفرد لأنّهما أُخرجا مخرج التمييز.
وقد جاء في الشعر على القياس، فقالوا: "ثلاثُ مِئِينَ"، و"ثلاثُ مئاتٍ"؛ لأنّ الشُعراء يُفْسَح لهم في مُراجعة الأصول المرفوضة. قال الشاعر [من الطويل]:
ثلاث مِئِين للملوك ... إلخ