. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والله أعلم.
قوله: "ونقول: الذي يَدُلُّ علَي أنَّه لا يجوزُ تخصيصُ عمومِ القُرْآنِ بالقياسِ، وُجُوهٌ:
الأَوَّلُ: قصَّةُ معاذٍ؛ فإنها تَدُلُّ على العمل بالقياسِ مُعَلَّقًا بكلمةِ "إِنْ" على عَدَم وجْدَانِ الكتابِ والسُّنَّةِ؛ لأنه - عليه السلام - قال: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ الله؟ " قَال: أَجْتَهَدُ رأْيي. والشرَطُ المذكورُ في السؤَالِ شَرْطٌ في الجوابِ، والمُعَلَّقُ على الشيءِ بكلمةٍ "إنْ" عدم عنْدَ عَدَمِ ذلك الشيءِ؛ فوجب ألا يَجُوزَ الاجتهادُ عند وجْدَانِ الكتابِ والسُّنةِ":
وبيانُ الجواب عن هذه المعارَضَةِ من أوجُهٍ:
الأوَّل أنَّه لازِمٌ له فيما سَلَّمَهُ من التخْصِيصِ بالخبرِ؛ فإن العمل به في خَبَرِ معاذٍ مشروطٌ بعَدَمِ الكتابِ بعَينِ ما ذَكَرهُ، وجوابُهُ عنه جوابُنَا.
الثانِي: أن نقولَ: إِنَّا لم نَعْمَل في المسألةِ بالقيَاسِ؛ ليكونَ العمل به مع وجُودِ النَّصِّ مخالفًا، وإِنَّما للفظ محملان: حقيقةٌ ومجازٌ، والقياس الموافق للمجاز قرينة ترجح احتمال إرادة المجاز؛ كما أن الوضع الأوَّل أو غلبة الاستعمالِ مُرَجِّحٌ لإِرادة المحمل الآخَرِ؛ وهذا كما نقولُ: إذا تعارَضَتِ البَيِّنَتَانِ، واخْتصتْ إحداهُمَا باليَدِ، وقُلْنَا: نَقْضِي له بدون يمينٍ، فإِنَّ العمل بالبينة الرَّاجِحَةِ لا بمجرَّد اليد؛ بخلافِ اشتراطِ اليمينِ؛ فإن البينتين تتساقطان، والقضاء مستند إلى اليمين واليد.
الثالث: أنَّ قوله "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ" مطلقٌ في تقديمِ الكتاب والسُّنَّة على القياسِ، وإذا قام الإجماعُ عَلَى أنَّ العَمَلَ به بأرجَحِ الأمارَتَينِ واجبٌ، كانَ ذلك مقيِّدًا لهذا المُطلَقِ؛ فصار كأنه قال: فَإِنْ لَمْ تجدْ في الكتاب والسنة ما يَجِبُ العَمَلُ به بشرطه، وهو سلامَتُهُ عن النَّسْخِ والمُعَارِضِ الراجِحِ؛ وحينئذ لَا يُسَلِّمُ أنَّه مع معارَضَةِ القياسِ الرَّاجِحِ واجبُ التَّقدِيمِ عَلَى هذا التقديرِ.
قوله: "الحجة الثَّانيةُ: لَوْ جَازَ تخصيصُ النَّصِّ بالقياسِ، لكان قولُ إِبلِيسَ في قصَّة آدَمَ: {أَنَا خَيرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12]- صحيحًا؛ لأنَّه أَمَرَ الملائكةَ بالسُّجُودِ لآدَمَ، وهو خطابٌ عامٌّ، وأنَّ إِبليس قال هذا العُمُومُ أخصِّصُهُ في حَقِّ نفسِي بالقياسِ؛ لأنَّ النَّارَ خَيرٌ من الطينِ؛ لأن جوهَرَ النَّار مُشْرِقٌ عُلْويٌّ لطيفٌ مُؤَثِّرٌ، [والطين كثيف مظلم سفلي متأثر]؛ فتكون النارُ خَيرًا من الطِّينِ، والنارُ أصلي، والطِّينُ أصْلُ آدَمَ، ومَنْ كَانَ أصْلُهُ خَيرًا من أَصْلِ غيره- كان هو خَيرًا منه؛ نظرًا إلى هذه الجهة. اللَّهُمَّ: إِلا إذا ظهر قيامُ المُعَارِضِ، فمن ادَّعَاهُ فعليه إِثباتُهُ، هذا قياسٌ منتظمٌ جعلَهُ إبليسُ مخصِّصًا لعمومِ الأمْرِ بالسُّجودِ، فلو كان تخصيصُ النصِّ بالقياسِ جَائِزًا، لكان قولُ إِبليسَ صوابًا":
والجوابُ عن هذه المعارَضَةِ بعد تسليمِ أوصافِ قياسِهِ؛ فإن من جملتها أنَّ جوهَرَ النَّارِ مُؤَثِّرٌ، على ما يزعمه الطبيعيون، ونَحْنُ إنما نعتقدُ أنَّه لا مُؤَثِّرَ إلا الله -تعالى- فنقول: إِنه لو