. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
القياسَ بقي حجَّةً عنْدَ معارضةِ القُرْآنِ؛ فظهر الفَرْق":
والجوابُ عما ذَكَرَهُ: أمَّا مَنْعُهُ مِنْ عمومِ دَلَالةِ الآيَةِ على القياسِ، وعُمُومِ دلالة الخَبَرِ على العَمَلِ به- فَقَدْ تَقَدَّم بيانُ العمومِ فيهما بِطَرِيقِ الظُّهور فيما تقدَّم، ودَفْعُ جميع ما أُورِدَ عليهما بطريقٍ ظاهرةٍ على وجْهٍ ينفي ظهورَ دلالةِ العُمُوم، وأنَّ المسألة إِذا كانَتْ عمليَّةَ، كان الظنُّ كافيًا فيها.
وأما الإجماعُ، فَقَد قَرَّرنا دلالتَهُ على العَمَلِ بالقياسِ بطريقِ القَطْعِ.
ويجيبُ عن قوله: "إِنَّهُ حكايَةُ حَالٍ؛ فلا يَعُمُّ"- قولنا غير مَرَّةٍ بِأَنَّ حكايةَ الحالِ: إذا تكررت ودَامَتْ من غير إِنْكارٍ- أنه لا يحتملُ أنْ يكُونَ السُّكُوت لوجه مِنْ تلْكَ الوجوهِ سِوَى "المُوَافَقَةِ".
وقوله على طريقة: "إن العمل بالقياسِ دَفْعُ ضَرَرٍ مظنونٍ"، وإِنْ لم يرتضيها علَي ما سبَقَ، لا نسلِّم بأَنه يكونُ دَفْعَ ضررٍ مظنونٍ، مع مقابلة القَرَائِنِ، بل دفع الضرر المظنونِ في العَمَلِ بعَكسِهِ دَعْوَى عريَّةٌ عن البرهانِ؛ فإن القطع في العمومِ في النَّقْلِ لا غير، والتَّنَاوُلُ ظاهرٌ، والقياسُ قد تَعْرِضُ فيه وجوهٌ من القَطْعِ؛ كالنَّصِّ على الأَصْلِ والعلَّةِ، وتحقيقِها قَطْعًا في مَحَلِّ النزاعِ مع ضَعْفِ دلالةِ العَامِّ؛ لكونِهِ لم يُسَقْ لقصْدِ الحكمِ، أوْ يكون بالقياسِ علَى المخرج بِعَينِ تلك العلَّة، أو بلا فارِقٍ أو بقياسِ الأَوْلَي؛ وحينئذٍ لا يُنْكِرُ مُنْصِفٌ أنَّ ظَن مُوجِبِ القياسِ -والحَالةُ هذِهِ- راجحٌ، وظَنُّ مُوجِب العمومِ مَرْجُوحٌ، والراجحُ واجبُ الاتباعِ؛ فلا يفيدُ ما ذَكَرَهُ مَنْعَ التخصيصِ به مُطلَقًا، والحَقُّ أن العبرة بخُصُوصِ الوقائعِ، فيتبع أغلَب الأمارَتَينِ؛ كما سُلِّم في تعارض العمومِ وخَبَرِ الآحادِ، وتعارُض العموماتِ وبَعْضِ الأخبارِ، أو الأقيسة وسَائِر الأماراتِ.
قوله: "الحجة الثانية: أن الصحابة خصصوا بعض العمومات بخبر الواحد والقياس؛ فيكون حجة. وَقد عَرَفَتْ [ضعف] هذا الدَّلِيل، وجميع ما أورد عليه" فقد تقدَّم الجوابُ عنه، وما أُوردَ عليه.
قوله: "ثم نقولُ ها هنا: إِنكم ادَّعَيتُمْ أن الصحابَة أجْمَعُوا على تخصيصِ تلك العمومَاتِ بتلك القياسَاتِ؛ فقد حصل هنالِكَ القياسَاتُ مع الإِجماعِ على تخصيص تلْكَ العموماتِ، وههنا إنما حَصَلَتِ القياساتُ مِنْ غير حصولِ الإجْماع علَي وجوب تخصيصِ العموماتِ بها؛ فقد ظَهَرَ الفَرْقُ العظيم":
والجَوابُ عنه من وجْهَين:
الأَوَّلُ: أن هذا لازم في عين ما سَلَّمَهُ من التخصيصِ بالخبر.
والثاني: أنَّ الإجماعَ لم يَقَعْ على التخصيصِ؛ وإلا لجزم بالخلافِ، والمخصَّص به لم يَمْنَعْ من الخلافِ، ولا فسق ولا باع مخالفه، فالإجماعُ إِنما كان على العَمَلِ بِجِنْسِ القياسِ في جنْسِ التخصيصِ، لا على التخصيصِ بالقياسِ المعيِّنِ للعَامِّ المعيَّن. وإذا كان الإِجماعُ إِنما وَقَعَ على القَدْرِ المشتَرَكِ، وأَنَّ خُصُوصَ الوقائع لا أَثَرَ لها- لَزِمَ العَمَلُ به أينَمَا تحقَّقَ بشروطه،