. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فقَال بعضُ المتأخِّرين: إنْ ثبتت العلَّةُ بنصِّ أو إجماع، أو كان الأصْلُ مَحَلَّ تخصيصٍ - خُصَّ، وإِلَّا فالمعتبرُ القرائنُ في آحادِ الوقائِعِ، وهو يقارِبُ اختيار الغَزَّاليِّ معنى، وان اختلفا لفظًا.

قوله: "واحْتَجَّ المجوزون بوجهين:

أحدُهُما: أنَّ القياسَ 4 وعُمُومَ القرآنِ دَلِيلانِ متعارِضَانِ، وأحدهما أخَصُّ من الآخر؛ فوجب تقديم الخَاصِّ على العامِّ"- قد تقدَّم تقريرُه.

قوله: "واعْلَمْ أنَّ هذا ليس بشَيءٍ؛ لأنا حيث ذكرنا هذا الدليلَ في خَبَرِ الوَاحِدِ، فإنه إنما صَحَّ، لأنَّا بينا أنَّ الآيةَ دلَّتْ على أن خبر الواحِدِ حجةٌ مطلقًا، سواءٌ عارضه الكتابُ، أو لَمْ يعارضْهُ؛ فلا جرم: تم الدليلُ":

قد ذكَرْنا في "باب الأخبارِ" أن الآيهً واردةٌ على سبَبٍ في شخْصٍ خاصٍّ، وهو الوليدُ بْنُ عُقبَةَ أرسله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأخذ الصَّدَقَةِ من بني المُصْطَلِقِ فخرجوا ليلقوه فخاف منهم، فرجع إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بأنَّهم ارتدُّوا فَهَمَّ - عليه السلام - بغَزوهِمْ؛ فأنزل الله تعالي هذا الآية.

وقد نمنع عمومَهَا، ولو سُلِّمَ أنَّ العبرة بعمومِ اللَّفْظِ لا بالسَّبَبِ، فهو عمومٌ ليسَ في قوَّةِ مَا لَمْ يَرِدُ علَي سَبَب، وليس في الآيةِ ما يُشعِرُ بأنه دليلٌ مُطلَقًا، عارَضَ الكتابَ، أو لم يعارضْهُ علَي ما زَعَمَ، بل إنما هو مُطلَقٌ، والمطلقُ تتأدَّى دلالتُهُ بالحَمْلِ على بعض الصور، فكَيفَ يَدَّعِي العموم في الأحوال؟ .

قوله: "أما في مسألةِ القياسِ، فلا نُسَلِّمُ أن الدليلَ يَدُلُّ على أنَّ القِيَاسَ حُجَّة على جميعِ التقديراتِ":

يقالُ له: القياسُ صالحٌ لكونه حُجَّةً في هذه المسألةِ، لولا ظاهِرُ النص المُعَارِضِ بالاتفاقِ، والمعارِضُ إنما هو الظَّاهِرُ، وهو دليلٌ ظَنِّيٍّ؛ فقد تعارضت الأمارتَانِ علَي هذا المطْلُوبِ، والاعتمادُ على تعيين العملِ به بالتَّقْسيم المَذْكُور، وإذا كان العَمَلُ به أرجَحَ، وجب العملُ به؛ لامتناعِ العَمَلِ بالمَرْجُوحِ بالإجماعِ، ولما في الوَقْف من إلغاءِ الدليلَينِ.

قوله: "وقوله تَعَالى: {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر 2]، وقوْلُ معاذٍ: "أَجْتَهِدُ رأيي"- قد بيَّنَّا أنَّه لا يفيدُ العُمُومَ.

وأما إجماعُ الصحابةِ، فهو حكايةُ حَالٍ، وإنه لا يفيد العمومَ. وقولُهُ: "القياسُ يقتضي دَفْعَ ضرر مظنونٍ" لا نسلِّم أنه إذا عارَضَ القُرْآنَ يكون مقتضيًا لدفْعِ ضَرَرٍ مظنونٍ، بل العملُ به يوجبُ حُصُولَ الضَّرَرِ؛ [لأن القرآن أقوى عند كل عاقل من القياس؛ فموافقة القرآن توجب دفع الضرر]؛ فثبت أن الدليلَ الدَّالَّ على صحَّةِ القياسِ لا يَدُلُّ علَي كَوْنِهِ حُجَّةً عندما يكُونُ معارضًا للقرآنِ، وإذا ظَهَرَ الفَرْقُ الذي ذكَرْنَاهُ لم يتمكَّن المستدِلُّ من أن يقولَ: "إِن عمومَ القرآنِ والقياسِ دليلانِ متعارضَانِ، وأحدهما أخصُّ من الآخر؛ فَيُقَدَّم الأخصُّ على الأعمِّ"؛ لأنه لم يَثْبُت بدليل أنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015