. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ومنعه قومٌ، وبعضُ المعتزلةِ.
وقال ابنُ أَبَان: إن كَانَ قد خُصَّ قبل ذلك بدليل قطعيٍّ- جاز؛ لأنه صَارَ مجازًا، فضعفت دلالتهُ، وإلَّا فلا.
وقال الكَرخِيُّ: إن خُصَّ بدليل مُنفَصِلٍ- جاز، وإلا فلا، وإنما فرق بين المُتَصَّلِ والمنفصِلِ؛ لأنَّه يرى أن التخصِيصَ بالمنفصلِ كالصِّفَة والشرطِ لا يُخْرِجُ العامَّ عن تناوله حقيقة؛ لأن المخصِّصَ، إذا لم يستقِلَّ كان جزءًا من الكَلامِ كَالاستثناءِ، ويكون ذلك كتغييرِ الكلمةِ من بناء إِلَى بناء آخَرَ؛ كقولِكَ "مُسلم"، و"مُسلِمَان"، و"مسلمون"؛ فإن جميعها حقائق.
وتوقَّف القاضي؛ لاشتمال كل واحدٍ منهما على جهتَينِ: قوة، وضعف.
قوله: "لنا: أنَّا بيَّنا أن قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا} ... [الحجرات 6] إلَى قوله: "وَلَو رجحنا الخاصَّ على العامِّ، لم يكُن ذلك إِبطالًا للعمومِ بالكلِّيَّة":
حاصلُ ما ذكره أنَّ خبر الواحدِ حُجَّة؛ للآية، وقد بيَّنَّا أنه حجةٌ بما تقدَّم من المسالِكِ، وأن الاعتمادَ فيه علَى ما عُلِمَ من سيرته - عليه السلام - وسيرةِ الصحابة، وأن الاحتجاجَ بالآية التي ذكَرَهَا ليس بالقَويِّ، وإذا تقرَّر أنه حُجَّة على الجُملة وأن العام أيضًا حجة على الجملة، فعند الاحتجاجِ والتعارُضِ على أمر واحدٍ:
فإِمَّا أن يُعمَلَ بهما معًا، وهو جَمعٌ بين النقيضين. أو لَا يُعمَلَ بهما، وإنه تعطيلٌ، وهو خلاف الأَصلِ. أو يَعمَلَ بالعامِّ؛ وفيه تركُ العَملِ بالخَاصِّ بالكلِّيَّةِ. أو يُعمَلَ بالخاصِّ، ويُصرَف العَامُّ إِلَى ما ورَاءَ ذلك، وهو جمع بين الدليلَينِ بِحَسَب الإمكَانِ؛ فإِن الأصل هو العَمَلُ بهما، فما كان أقرَب إِلَيهِ كان أَولَى.
وَيرِدُ عَلَيهِ: أنا لا نُسَلم أنَّ في ذلك جَمعًا بين الدليلين؛ فإنَّ التعارُضَ إنَّما وقَعَ على أفرادِ الخَاصِّ، وما سواهُ لا تَعَارُضَ فيه، وإشعارُ العَامٍّ بغيره؛ كدليل آخر علَى غير المطلوب، فمتَى عمل بأحد الدليلين المتقابِلَينِ علَى هذا الفرد- كان في العَمَلِ بأحدهما تَركُ الآخرِ؛ فالأَولَى أن يُقَال: إنَّ إِشعار الخَاصِّ بالحُكم: إما نصَّ أو لنصِّ، فإشعاره به أقوَى، فكان العمل به أولَى.