. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
لأجْلِ خَلْقِ الله تعالى عندهما الشِّبَعَ والرِّيَّ.
أما قولُ المصنِّف بأنَّ قولنا: "علَّة" نقيضُ "ليس بعلة"، وقولنا: "ليس بعلَّة" سَلْبٌ، فلا يصدُقُ أنه سلب ما لم يتحقَّق أن مسمَّى "علَّة" ثبوتٌ؛ فإِنه إِن كان مُسَمَّى العلَّةِ سَلْبًا، فَسَلْبُ السَّلْبِ إثباتٌ، فيكون دَوْرًا.
قوله: "وكونه عِلَّةً صفةٌ وجوديةٌ، فلو جَعَلْنَاها للعدم، لَزِمَ قيامُ الصفةِ الوجوديَّة بالعَدَمِ"- لا يصح أيضًا: أما أوَّلًا فإنَّه ينتقضُ بما سُلِّمَ من أن العَدَمَ يَكون علَّةً للعَدَمِ؛ فقد وصف بالعلِّيَّة، وأما ثانيًا؛ فلأن كون الوصْفِ علةً ليسَ صفةً حقيقيةً قائمةً به لا نفسيَّةً ولا معنويَّةً، وإنما هو آيِلٌ إِلَى قولِ الشَّارع: "جَعَلْتُهُ سببًا لكذا" وهو راجعٌ إلى أنَّه متعلَّق القول، والقولُ لا يُكْسِبُ المقولَ صفةً حالَّةً فيه؛ كما أن العلْمَ لا يُكْسِبُهُ ذلك.
قوله: "وأما أن يكون تعليلًا للعَدَمِ بالوجودِ، وهو الذي يسمِّيه الفقهاءُ مانعًا":
يعني: كتعليلِ عَدَم الميراثِ بالرِّق والقَتْلِ وغَيرِ ذلك، وقد قدَّمنا انقسامَهُ إلَى مانعِ السَّبَبِ، ومانِعِ الحُكْمِ.
قوله: "وذلك لا يتوقَّف على وجودِ المقتَضِي؛ خلافًا للجمهور":
المشهورُ أنه لا يتحقَّق مسمَّى مانِعٌ ما لم يوجَدْ ممنوع؛ فإنه من الأُمُورِ الإِضافيَّةِ، ولا يحسن أن يُقَال: إِن القَفَصَ مَانعٌ للطائِرِ الميِّت من الطيرانِ، وإِنما يضاف إلى المانِع ما له غرضيَّةُ الثبوتِ؛ فإنَّ من لا داعِيَ له إلَى دخولِ دَارٍ لا يقالُ: منعه البَوَّاب، ولا يُنكر أنَّ النافي للحكم أعم من النافي بالمانع، وأن منه ما يُنْفَى بإشعار اللفْظِ؛ كقوله - عليه السلام -: "لَا صَلاةَ إلا بِطُهُورٍ"، أو لقيام منافٍ في المَحَلِّ لا يجامِعُهُ عقلًا أو شرعًا، وهو الذي يلقبونه بـ"المُنَافي"؛ كقولِهِم: مقتضى الدليلِ ألا يُشْرَعَ القِصَاصُ؛ لأنه على خلاف العاصم من الإسلام، أو الدَّار أو الإنسانيَّةِ، وهو ثابتٌ حَال شَرْعِ القصاصِ، أو للتنافِي الشرعيِّ ككونِ المحلِّ المتنجِّس إذا وَرَدَ عليه المائعُ لا يَخْلُو من نجس ومتنجِّس؛ وجميعُ هذا يدلُّ على نفي الحكمِ، ولا يتوقَّف علَى وُجُودِ المقتضِي.
قولُهُ: "لنا: أنَّ المقتضِيَ للشَّيءِ والمانِعَ منه متضادَّان، وتوقف وجود الشَّيءِ على ضدَّه محالٌ؛ فوجب ألا يتوقَّف وجودُ المانِعِ علَى وجود المقتضِي":
يَرِدُ عليه: أنه لا نزاع في صِحَّة اشتمالِ الشيءِ على جهتين: داعٍ وصارفٍ؛ كالولد الكافِرِ؛ فإِن قرابته تُنَاسِبُ الإرثَ؛ فإن القرابة مَظِنَّةُ المناصرةِ، وكونُهُ كافرًا يناسِبُ مَنْعَهُ منه؛ فإنه مظنة العداوة [من البسيط]
كُلُّ العَدَاوَةِ [قَدْ] تُرْجَى مَوَدَّتُهَا ... إلا عَدَاوَةَ مَنْ عَادَاك في الدِّينِ
فلا مضادَّةَ ببن اشتمالِ الشَّيءِ الواحِدِ على الجهتَينِ، وإنما المنافَاة فِي اعتبارِهِما معًا،