. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فيجيبُ عنه بأنه من قُوَّة المثبتةِ بأن يكون المراد منه لازِمَ النَّقِيضِ؛ كما لو قال: ليس بمعْلُوم، فمعناه مَجهولٌ، أَو لَيس بحَي، فمعناه: ميِّت.
وأمّا المفاقهات المعنويَّة: فهي المقصودَةُ، وهي كلُّ ما يرجع إلى ممانَعَة أو معارَضَةٍ أو إِلزام مناقضةٍ، أو بيانِ حَيدِ الحُجةِ عن المطلوب، وقد اختلَفَ النُّظَّار في عدد الصحيح منْهَا,, والأَقربُ أنها ترِجعُ إلى عَشَرَةِ أسئِلَةٍ:
الأول: فَسَادُ الاعتبارِ، وحاصله النِّزَاع في صحة جنس الدَّليل؛ كما لو استدل الشافعي على الحنفي بالمَفْهُومِ، أو على الظاهري بالقياسِ، فيقول: لا نُسَلمُ أنه حُجة، وعلى المستَدل إِثباتُ أنه حُجَّةٌ، ولا يضره التطويلُ بالنَّقل إِلى مسألة أخرَى؛ إذ المقصود يَنبَنِي عَلَى صِحتها، والتطويلُ في المقصودِ مسمُوعٌ، وإلا فليس إِلزامُ المستَدِل المُعتَرِضَ بأصل لا يقولُ به- بأولى من منعِ المُعتَرِضِ المُستدِل لأصل يقولُ به، فيسوغ منه، لا سيما إِذَا لم يكُنْ للمستَدِل طريقٌ لإثبات الحُكم سِوَى هذا الأصلِ.
الثاني: فسادُ الوَضعِ، والمشهورُ منه استعمالُ القياسِ في مقابَلَةِ النَّص أو الإجماعِ؛ فإِنه استعمال للقياس في غَيرِ مَوْضعه، وإن كان حُجة في الجُملَةِ؛ فإن المعتَمَدَ في العَمَلِ به سِيرَةُ الصحابةِ (رضوان الله عليهم) وكانوا لا يَعدِلُونَ إلى القياسِ إِلَّا عند اليأسِ عن النُّصوص، وعليه يدل حديثُ معاذ, وقد ذَمَّ الله -تعالى- قومًا قاسُوا في مقابلة النَّصِّ؛ حيث قالت {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275] ورد عليهم بقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وكذلك قياسُ إِبلِيسَ في مقابَلَةِ النص، وجوابه بالاعتراضِ على النص بما يعترضُ به على النصوصِ مِنَ الطعنِ أو الإِجمال أو التأويلِ، أو القَوْلِ بالموجِب أو بالمعارَضَةِ، ليسلم القياسُ أو يُرَجّحَ القياسُ على ظاهِرِ النَّصَّ، إنْ أَمْكَنَ، والجَمع بين الأدلةِ وَالتوفيقُ بحَسَبِ الإِمكان.
وعند الحنفية من فَسَادِ الوَضع: القياس في الكفارات والحُدُودِ والمقدَّرَات والرُّخَص، وقدْ تَقَدَّم أنه إن تحقق صورة القياس بشَرَائطه، وجَب العملُ به، إِذ لا قَيدَ في الأَدِلَّةِ الموجِبَةِ للعَمَلِ به ببَاب دون باب, وإن لم يتحقق، فهو باطل؛ لفساد أركانه؛ وليس من فساد الوَضع في شيء, ولا يعد من ذلِكَ قولُهُم: "وَصفُكَ يشعِرُ بنَقِيضِ حُكمِكَ"؛ يقول الشافعي في تَكرَار مَسحِ الرأسِ: مَسْحٌ؛ فيشرع فيه التكرارُ؛ قياسًا على مَسْح الاستطابة، فيقولُ الحنفي: شَرْعُ المسح يُشعِرُ بالتخفيفِ، فاعتبارُهُ في التكرار اعتبارٌ له في التثقيل، وهو نقيضُ ما استَقَرَّ في الشَّرْع" وبالجملةِ فمن هذا النوع كل شيئين عُلِمَ من قواعِدِ الشَّرْع تباينهما في حِل الأحكامِ، فقياس أحدهما على الآخر يعد من فساد الوضع، وبعضهم يسمي هذا فساد اعتبارٍ، ولا يتميز هذا السؤال من غيره من