. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

إثبات بخبر، فكذلك ها هنا، والمُشكِل على أبي حنيفةَ: أنه يرى الزيادَةَ على النصّ نسخًا.

فإذا تقرَّر معرفةُ شرائِطِ القيَاسِ، فنعودُ إلى ذِكرِ القوادِحِ والاعتراضاتِ، وقد رتَّبها الجدليُّونَ عَلَى مقدماتٍ ثلاثةٍ:

الأولى: المناقَشَاتُ اللَّفظية.

والثانية: المُؤَاخَذَاتُ الجَدَلِيَّةُ.

والثالثة: المفاقهة المَعْنَويةُ والإلزَامَات الأحكامية.

فأما المناقشَاتُ -ويسمُّونها استدراكات أيضًا- فهي: كُل ما يرجع إلى خَلَلِ في التعبيرِ؛ كاستعمالِ الألفاظِ المُجْمَلَةِ والغرِيبَةِ، والزيادة والنقصِ، واستعمالِ اللَّفْظِ في غَيرِ ظاهِرِهِ، أو مَا ظَاهِرُهُ يُوهِمُ مُنَاقَضَةً.

قَال القاضِي: ما ثبت فيه الإبْهَامُ، وجَبَ عنه الاستفهامُ، وعلَى هذا فلا ينبغي أن يُعَدَّ سُؤَالُ الاستفسَارِ ولا سُؤَالُ التقسيم، من الاعتراضاتِ الفقهيةِ؛ وإن عدَّها قَوْمٌ؛ فإن مثارها من تَرَدُّد اللفظ بين جهات، وعَلَى المستَفْسِرِ لأجل الإِجمالِ أن يبين صلاحيَّة اللفظِ لاحتمالينِ فصاعدًا، ولَيس عليه بَيَانُ التساوي؛ فإنه يعسر، بل على المستدِل أن يبين مراده منها أو من غيرِهَا، وأنَّ ذلك الاحتمال ظاهرٌ بالوَضَع أو بعرفِ الاستعمالِ، أو بقرينةِ,, وأما الغرابة، فلا تسمع إلا إذا كان غريبًا عن الاصطلاحِ أوَ يكون من حوشِي اللغةِ، فإن استفسر عنه لعَدَمِ معرفتِهِ بالاصطلاحِ، فيقال له: "قُم فَتَعَلَّم، ثُم ارْجِع فَتَكَلَّم".

وأما التقسيمُ، فهو أن يُبَينَ المُعتَرِضُ أَنَّ لِلفظِ احتمالينِ، ويمنع وجودَ أحَدِهما، ويسلِّم الثاني، وَيبنِي عليه غَرَضًا في القَدْحِ.

وقد منع بَعضُهم من منع القسمَين معًا بعد التقسِيمِ، والصَّحيحُ أنَّ له ذلك إذا خَصَّ كلَّ تفسيرِ بتقدير، وإلا فلا فائدَةَ في التقسِيمِ، مثالُهُ قوْلُ الشَّافعيِّ في السَّفَرجَلِ: مَطعُومٌ؛ فلا يجوزُ بيعه مُتَفَاضِلًا كالزبيبَ. فيقول المعترضُ: ما تَعْنِي بمَطعُوم: إِن عَنَيتَ به ما له طعْمٌ يُدْرَك بحاسَّة الذوق، فيبطُلُ بالطينِ, وإن عَنَيتَ به ما يُعَدُّ للأكل؛ فيبطُلُ بالغنم والدَّجَاجِ؛ فإنها تعد للأكل، ولا يمتنع بَيعُ الشاةِ بشَاتَينِ عتدَكَ.

ومما يُعَد من المناقَشةِ سؤالُ التقريرِ؛ وهو أن يكُونَ اللفْظُ ظاهرًا، لكن له احتمالٌ يقرب إرادَتُهُ عند قرينة، فيبني المعترض كلامَهُ علَيه؛ يقول الشافعي في مسألة إِزالة النجاسة: طَهَارَة تُعُبِّدَ بها؛ لأجل الصّلاة، فتختصٌّ بالماء؛ كالحدث. فيقولُ المعترِضُ: المفهوم مِنْ لَفْظٍ الطهارةِ المُضَافَةِ إِلى الثَّوْب نَقَاؤُهُ عن الخُبث الذي وَرَدَ عليه, وهذا المعنَى لا يشتَمِلُ عليه الأَصْلُ؛ فهو جمعٌ بمجرَّد تسميته، أو يقال: إِن المَفْهُومَ منه قضية حسيَّة لا تتلقى من قياسٍ.

وأمّا المؤاخَذَاتُ الجدلية: فكلُّ ما يَرْجِعُ إِلَى خَلَلِ في تركيب أضلِ الدليل في زعم المعتَرِضِ؛ كترتيب قياس من سالِبَتَينِ، وكجعل المقدمة الصغرَى سالبة مِنَ الشكل الأول مثلًا؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015