وَأَمَّا العُمُومَاتُ التِي يُرَادُ تَخصِيصُهَا تَارَةَ بِخَبَرِ الوَاحِدِ، وَتَارَةَ بِالقِيَاسِ -فَهِيَ عُمُومَات في غَايَةِ القُوَّةِ؛ فَكَيفَ يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ أن يَقُولَ: الحُكمُ الْمُثبَتُ بِالْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ دَلِيلُهُ أَكثَرَ مُقَدِّمَاتِ؛ إلا أَنَّ تِلكَ الْمُقَدِّمَاتِ أَقوَى. وَأَمَّا الْحُكمُ الْمُثبَتُ بِالْعُمُومَاتِ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ دَلِيلُهُ أَقَل مُقَدِّمَاتِ؛ إلا أَنَّها أَضعَفُ؛ فَظَهَرَ الفَرْقُ، وَظَهَرَ: أَنَّ هذَا الْكَلامَ لَا يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ الْمُتَسَائِلِ في غَوْرِ الْكَلامِ؛ فَلَا يَجِبُ ذِكرُهُ وَالالْتِفَاتُ إِلَيهِ في هذَا البَابِ.

وَمَنْ تَأمَّلَ في القُرآنِ وَجَدَ مَا يَقرُبُ من مِائَتَي آيَةِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَقدِيمِ النَّص عَلَى الرَّأيِ.

===

فإِنها وضْعِيَّة بمعنى المعرِّف، ولا يمتنع اجتماع المعرفات، ولو فسرت بالداعي الدَّاعِي؛ فلا يمتنعُ اجتماعُ ذلك أيضًا.

وشَرَطَ قومٌ ألا يُقطَعَ بانتفاءِ الحِكمَةِ عن الضَّابط؛ فإِنا إِنما أردنا الحُكمَ على الضَّابِط؛ لأنه مَظِنَّةُ الحكمة؛ إِذ يُظَن عند وجوده وُجُودُهَا غالبًا بالنسبة إلى جِنس الحُكم. ويُكتَفَى في بَعْض الصوَرِ باحتمالها, ولو عَلَى بُعْدٍ؛ فإنا لو شَرَطنا ظهورَهَا في كُل صورَةِ، للزَم العُسْرُ الذي لأجله عُدِلَ عن إنَاطَةِ الحُكمِ بها إلى ضابطها؛ ففَوَاتُ ظَن الحِكمة في بَعْضِ الصُّوَر فواتُ ما لَيسَ بشرط؛ فلا يَضرُّ.

أما إذا قُطِعَ بانتفاءِ الحكمة عنه قطعيًّا في بعض الصُّورِ، فهل يثبت الحُكْم بناء على المَظِنةِ، أو ينتفي بناءَ على نَفي الحكمة؟ - فيه خلاف، أكثر الجدليينَ قالوا بالمَنعِ، واختار ابن يحيى الصَّحَّة، وللغَزاليِ ميل إلَيه؛ قال في "الوسيط" في مسألة الطَّلاقِ في الحَيض: "الحِكمَةُ: أنَّه يَدَّعِي تطويلَ العِدَّةِ".

فَرْعٌ: لو قال لها: أنتِ طالق مع آخر جُزء من الحَيضِ، فهذا طلاق صادف الحَيضَ، والحكمةُ: أنه يدعي تطويل العدة.

فَرعٌ: لو قال لها: إن صادف الحَيضُ، ولكن تستعقب العدَّة؟ فلا تطويلَ.

ومنهم: مَنْ نظر إِلَى المَظِنَّة، وهي الحَيضُ؛ فقال: هو بدعى.

وكذلك الخلاف فيما إِذا قال: مَعَ آخِرِ جُزء من الظّهْرِ، قال: ولعل النَّظَرَ إِلى المَظِنَّةِ أولَى، وعلى هذا يخرح كثيرٌ من المسائلِ؛ كشَرْع الاستنجاءِ من حصاة لا رطوبة معها، أو الغُسل من وضع الوَلَدِ الجَاف، ونظيرِ ذلك.

وشَرَطَ قَوْمٌ في العِلةِ المستنبَطَةِ أَلَّا تَرْفَعَ حُكمَ ما استنبطت منه، فَتُعَكرَ عَلَى أصلها؛ كإخراج أبي حنيفةَ قيمة الشاةِ؛ قياسًا عَلَى وجوب إِخرَاجِ الشاةِ؛ لسد حاجة الفقير.

وفي المثال نظرٌ؛ فإنَّ إِباحة المسح على الخُف ليس رفعًا لوجوبِ غَسلِ الرجلَينِ، وغايتُهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015