اعْلَمْ: أَنَّ حَاصِلَ الْكَلَامِ في الْقِيَاسِ: أَنَّهُ إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ: أَنَّ الْحُكمَ في مَحَلِّ الْوفَاقِ مُعَلَّلٌ بِالصِّفَةِ الْفُلَانِيَّةِ، ثُمَّ عَلِمْنَا أوْ ظَنَنَّا: حُصولَ تِلْكَ الصِّفَةِ في صُورَة أُخرَى، فَيَغلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْحُكْمَ في الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ يُسَاوي الحُكْمَ في الصُّورَةِ الأُولَى -: فَهذَا الظَّنِّ إِذَا حَصَلَ لِلمُجْتَهِدِ، فَهَل يَجُوزُ العَمَلُ بِهِ؟ وَهَل يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفتِيَ بِهِ غَيرهُ أَو لَا؟

فَهذَا هُوَ المُرَادُ بِقَوْلنَا: الْقِيَاسُ حُجَّةٌ أَوْ لَا؟ وَعِندَ هَذَا: يَظهَرُ أَن الْحُكْمَ أَصْلٌ في الأَصْلِ، وَفَرْعٌ في الفَرعِ، وَأَن الْعِلَّةَ فَرْعٌ في الأَصْلِ، وَأَصْل في الفَرعِ؛ لأَنَّا نَعْرِفُ الْحُكْمَ أَوَّلًا في مَحَلِّ الْوفَاقِ، ثُمَّ نُفَرِّعُ عَلَيهِ مَعْرِفَةَ العِلَّةِ، ثُمَّ إِنَّا نُثْبِتُ الْعِلَّةَ في مَحَلِّ النَّزَاع، ثُمَّ نُفَرِّعُ عَلَيهِ الْحُكمَ.

===

الشرطَيَّينِ، وتخصيصُ اسْم القياسِ بذلك باعتبارِ أنَّ أعتقادَ النتيجةِ مساوٍ لاعتقادِ المقدِّمَات - بعيدٌ؛ فإنه يلزمُ علَيه تسميةُ كُلِّ دليل قياسًا، وإنْ كان نَصًّا أَوْ إِجماعًا كذلك.

قولُهُ: "وَاعْلمْ أنَّ حاصِلَ الكلامِ في القياسِ أنَّه إذا غَلَبَ على الظَّنِّ أنَّ الْحُكْمَ في محلِّ الوفاقِ معلَّلٌ بالصفة الفلانيَّة، ثم عَلِمْنا أو ظَنَنَّا أن تلك الصفةَ في صورة أُخرَى، فَغَلَبَ على ظنِّنا أن حُكمَ اللهِ - تعالى - في الصورة الثانيَةِ مُسَاوٍ للحُكم في الصُّورة الأولَى -: فهذا الظَّنِّ إذَا حصَلَ للمجتَهِدِ، فهلْ يَجُوز له العَمَلُ به، وهل يجوزُ له أَنَّ يُفْتِيَ به ... " إلى قوله: "وعند هذا نقولُ: إِنَّ الحُكْمَ أصْلٌ في الأَصْلِ، فَرعٌ في الفَرْعِ؛ وَإِنَّ العلَّةَ فَرعٌ في الأَصْلِ، أصْلٌ في الفَرْعِ":

اعْلَمْ أَن أركَانَ القياسِ أربعة:

الأصْلُ: وهو اسْمٌ للصورةِ المقِيسِ عليها، المَنْطُوقِ بِحُكمِهَا أو الْمُجْمَعِ عليه.

وَالفَرْعُ: وهو اسْمٌ لصورةِ المَسْكُوتِ عنْهُ المُلْحَقِ بالمنقولِ، أو المُجْمَعِ عليه، ومن فَسَّره بمَحَلِّ النِّزَاعِ، فمرادُهُ بَينَ المُتَنَاظِرَينِ.

وَالجَامِعُ: وهو العلَّة أو لازمُها.

وَالْحُكمُ: وقد عرفتَه. هذا المشهورُ عندَ الفقهاءِ.

وقال المتكلِّمون: الأَصْلُ هو: النَّصُّ الدَّال على الحُكمِ في مَحَلِّ الوفاقِ.

وقال الفَخر: الأصْلُ: هو الحُكم الثابِتُ في مَحَلِّ الوفاقِ، أو علَّة ذلك الحُكم، قال: والحُكمُ أصْلٌ في مَحَلِّ الوفاقِ؛ يعني: لأنه مع المناسَبَةِ دليلُ العِلِّيَّةِ، وفرعٌ في مَحَلِّ النزَاع؛ لأنَّه الأَثَرُ، والعلَّةُ فَرعٌ في الأَصْلِ - لِمَا ذُكِرَ- أَصْل في الفرع؛ لأنها المعرِّفَةُ للحُكمِ فيه، والخلافُ فيه، والبَحْثُ لفظيٌّ.

والمَشهُورُ عندَ الفقَهَاءِ: أن الأَصْل عبارةٌ عن الصُّورَةِ المَقِيسِ عَلَيها على مقابَلَةِ الفَرْعِ، وإذا كان الأَصْلُ في اللُّغَةِ عبارةً عَمَّا ينبني عَلَيهِ غيرُهُ، أو مَا يَسْتَغْنِي عن غيره - فإطلاقُهُ على ما اصطَلَحَ عليه الفقهاءُ واضحٌ؛ ولا مُشَاحَّةَ في التَّسْمِيَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015