. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وكل ذلك لا يدركه إلا الأفرادُ في كل عَصر-: فالعادة تحيل الاتفاقَ فيه؛ ولذلك قيل: إن العقلاء لم يتفقوا على مسألة عَقلِية نَظَريَّة، سوى أن القَدِيمَ لا يعدم، وعلى هذا الحَرفِ مَنَعَ الإِمامُ كَونَ الإِجماعِ حُجة في العَقلِياتِ، وخالفَهُ الغَزالِي في "المَنخُول"، وهذا من أغمَضِ ما يبحَثُ فيه في باب الإِجماع.
قوله: "لا نُسَلِّمُ أنَّه يَلزَمُ من المُخالفَةِ خَرْمُ العَدالةِ مُطلَقًا؛ لجواز أن تَكُونَ المُخالفَةُ صَغِيرَة، وأنها لا تقدح مُطلَقًا":
قلنا: الجَوابُ عنه من وَجهَينِ:
الأَولُ: أنا فَرقنا في خَرْمِ العَدالةِ بين الكَبِيرَةِ والصَّغِيرَةِ؛ لأنَّ العَدالةَ وَصفٌ باطِنٌ غُيبَ عَنا لا اطلاعَ لنا عَلَيها، إلا بِمَظِنتِها وآثارها، ووقوع الصغيرة فلتة مع استِعْقابِها بالاستِغفارِ وعدم الإصرارِ: لا يَخرِمُ الظن بِمُراعاةِ التقوى، وإذا كان المُزَكِّي هو الله -تعالى- عالِمُ السّر والعلانية، فلا نَتَصَوَّرُ أن يَقَعَ منهم ما يُخِل بعدالتهم.
الثانِي: أن المُخالفَةَ في الفَتوَى مع العِلْمِ كَذِب على الله -تعالى- والكَذِبُ على الله تعالى كَبِيرَةٌ.
قوله: "سَلمنا أنهم عُدُول، لكن لما قُلتُم: إنهم عُدُول في كلّ شَيءٍ":
قلنا: إذا كانت العَدالةُ راجِعَة إلى هَيئَةٍ راسِخَةٍ في النفسِ تحمل على مُلازَمَةِ التقوَى والمَرُوءَةِ- لم تختلف الحالُ.
قوله: "الحكم بالعَدالةِ إنما يَحْتاجُ إليه حال الأداءِ، وهي في الآخِرَةِ لا حال التحَمّل في الدنيا؛ وهو مَحَل النزاعِ":
قلنا: لا قَيدَ في الآية في وَصفِهِم، وقَبُولُ شَهادتهم في الآخِرَةِ لا يَمنَعُ من وَصفِهِم بها في الدُّنيا، وقد وَصَفَهُمُ الله -تعالى- بذلك في مَعْرِضِ المَدْحِ تَقضِيلًا لهم على سائِرِ الأُمَمِ؛ وذلك يَدُلُّ على أن ذلك شِيمةٌ لهم؛ فإنَّه لا يحسن أن يُقال: فلان يُغِيثُ المَلهُوفَ، ويكرم الضيف؛ لِصدورِهِ منه مَرةً واحدة، وقد قال الله -تعالى-: {جَعَلْنَاكُمْ} [البقرة: 143]، ولم يقل: سنجعلكم.
قوله: الآية تَخُص المَوجُودِينَ عند نُزُولها؛ لأنَّ الخِطابَ للمواجهة.
قلنا: خِطابُ الله -تعالى- على لسان نَبِيهِ - عليه السلام - - لمن بلغ، وإلَّا لم نَكُن مُخاطَبِين بقوله تعالى: {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [الحج: 78] {وَجَاهِدُوا} [الحج: 78] إلى غير ذلك ولم يختلف حَمَلَةُ الشرِيعَةِ في تَناوُلِ هذا الخِطابِ لنا، وإنما اختلفوا في أنَّه يَتَناوَلُنا بِمُجَردِ اللفظِ، أو بضمنيه؟