. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قلنا: قد دللنا على أنَّه يُطلَقُ لذلك بالكتاب، والسنةِ، والشعرِ، والاستعمال، والاشتِراكِ. والنقلُ والمَجازُ على خلاف الأصْلِ.
قوله: "العَدالةُ فِعْلُ الواجِباتِ، وهو فعل العَبد، والوَسَطُ المَوْصُوفُ به في الآية فِعلُ الله -تعالى- فلا يَكُونُ الوَسَطُ العَدالةَ":
قلنا: لا نُسَلمُ أن العَدالةَ فِعلُ الواجِباتِ، بل ذلك من آثارِها؛ وإنما العَدالةُ عِبارَةٌ عن هَيئَةٍ راسِخَةٍ في النفسِ تحمل على مُلازَمَةِ التقوى والمروءةَ.
سلمنا أن العَدالةَ فِعلُ الطاعاتِ، لكن قد تَقَرَّرَ في عِلمِ الكَلامِ من مَذهَبِ أهل الحق أنَّ كُل واقِع من المُمكِناتِ، فإنَّه يُنسَبُ إلى الله -تعالى- خَلقًا واختِراعًا، وأنه لا يَمتَنِعُ مع ذلك نِسبَةُ بَعضها إلى العبدِ كسبًا واتصافًا ثمَّ لو سُلمَ جَدَلًا أن العَدالةَ فِعل الطاعاتِ، وأنها فِعلُ العَبدِ، لكن لا يمنع ذلك من نِسبَةِ جَعلها [إلى] الله تعالى بِخَلقِ أَسْبابِها من سَلامَةِ البنية والإِلهامِ لامتثالها والقدرة، والدَّاعِي، والإِرادَةِ، وخَلقِ بعض الألطافِ.
قوله: " [لا نسلم] أن كل من قَال قَولًا ليس بِحَقٍّ يكون كاذِبًا، وأن كُل كاذِب يستحق الذّمّ، وإنهما لا يَجتَمِعانِ على الصدْقِ":
قلنا: نحن نَدَّعِي أن لا واسِطَةَ بين الصَّدْقِ والكَذِب، على ما عُرِفَ من أصل أَهلِ الحَق، وأن كل خَبرٍ: فإما أن يكون مُطابِقًا لمخبره، أو لا، والأَول: الصدْقُ، والثاني: الكَذِبُ.
قوله: "لا نُسَلمُ أن كُل كاذِب بهذا التفسِيرِ يَستَحِق الذّمّ؛ لِجَوازِ الإخبارِ به عن خَطَأ، أو نسِيان":
قلنا: لا يمتنع استثناء الناسِي والمُخطِئِ من هذه القَضِيةِ، لكن لا يمكن دَعوَى ذلك في مسألتنا؛ لأنَّ الفَرْضَ أن المُخبِرَ بذلك مَجمُوعُ الأُمَّةِ، وهم عَدَد يزيد على عَدَدِ التواترِ، والعادَةُ تُحِيل النسيانَ على مثلهم، وكذلك الغَلَطُ والخَطأُ في الحُكمِ الشرْعِي؛ فإنهم إذا جَزَمُوا به وقَطَعُوا، فالعادَةُ تحيل الجَزمَ إلا عن قاطِع شرعي، ولا قاطع شرعيًّا سوى النقلِ المتواتر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إما بسماعهم منه؛ فَيَستَنِدُ القطعُ إلى مَحسُوس ضروري، أو بالنقل المُستَنِدِ إلى المَحسُوس. ولو جزم الغَلَط والخَطأ في مثله، للزم جَوازُ تَطَرُّقِ مِثلِهِ إلى النَّقلِ المُتَواتِرِ؛ وذلك يَقدَحُ في إِثباتِ النبُوَّةِ؛ فإن إحدى مُقَدماتِ صحتها بالنسبَةِ إلينا النَّقلُ المُتَواتِرُ، وعلى هذا التقدِيرِ قد يُمنَعُ انعِقادُ الإجماعِ عن أمارة، ولو سلم، فإنما يُتَصَوَّرُ عن ظَنَّ غالب سالِم عن المُعارضة، والعادة تحيل الخطأ فيه وفي مثله أيضًا مع كَثرَةِ عَدَدِهِمْ، ولا يَلزَمُ عليه اتفاقُ العَدَدِ الكثير على كُفرٍ، أو بِدعةٍ؛ فإن ذلك إنما يَتفِقُ عن مُصادَفَةِ نَظَرِ الأَقَل، وتَقلِيدٍ من الأكثر؛ كاتّباعِ كل مَذهَب.
أما اتِّفاقُ الجمِّ الغَفِيرِ على نَظَرٍ واستدلال في العَقلِياتِ مع تَشَعُّبِ طرقها، وتعارض الشبُهاتِ فيها، وعُسرِ الإِحاطَةِ بشرائط إنتاج براهينها وعجز مجاري العقول عن موافقها،