الْجَوَابُ: أَن الْكَلامَ فِي تكلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ قَد تَقَدمَ. ثُم يُنقَضُ مَا ذَكَرْتُم بِبَيعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلاقِيحِ.
ثُم نَقُولُ: لمَ لَا يَجُوزُ حَملُ النهْيِ -ههُنَا- عَلَى الْفَسخِ، وَتَقْرِيرُهُ: أن العَبِيدَ وَكَّلَهُمُ
===
والخمر، والميتة، ونكاح المحارم، ، وهو لازِمٌ لهم على المأخذين المذكورين، ولا جَرَمَ أنه استدل به تارة، ونقض به أخرى.
قوله: "احتجُّوا بأنه لو كان ممتنعًا، لم يكن في النهي فائدة، كما لا يُقالُ للأعْمَى: لَا تُبْصِرْ، وللزمِنِ: لا تَقُمْ"، يعني: أنه إذا امتنع النهي عن المبيع -فلا بُد للمنهي عنه أن يكون ممكنًا متصورًا.
وهذه مغالطة؛ فإن الصحة المشروطة في التكليف عبارة عن قبول الوجود والعدم، والمنهيات كلها كذلك.
والصحةُ المتنازع فيها: كونه منعقدًا معتبرًا، مفيدًا لثمرته.
قوله: "والجواب: أن الكلام في تكليف ما لا يُطاقُ وقد تقدم":
حَاصِلُه: أنه نازع في اشتراط الصحة في التكليف، وهذا لَا حاجَةَ به إليه ها هنا؛ فإن النزاع في هذه المسألة بعد تَسلِيم امتناع تكليف ما لا يُطاقُ.
قولُه: "ثم نقولُ: لم لَا يَجُوزُ حمل النهي ها هنا على النسخ ... " إلى آخره:
لم يرد حَقِيقَةَ النسخ الشرعي، وهو: رفع حكم شرعي بخطاب متراخ؛ وإنما أراد النسخ اللغوي، وهو: الرفع والإِبطَالُ.
وتقريرُه: أن العرب كانت تعتقدُ صِحةَ بياعات وعقود: إِمَّا بشرائع متقدمة، أو غير ذلك، والنهي لما كانوا يعتقدونه من الصحة، فإنهم كانوا يعتقدون صحة نكاح الأختين، والشغار، وما زاد على الأربع، وصحة بيع الحصاة والمُنَابَذَةِ، وغير ذلك، فيكون النهي رافعًا لتلك الصحة المنعقدة، إِمَّا مِن شَرع أو غيره.