الله فِي جَمِيعِ تَصَرفَاتِهِم، ثُم كَمَا أَن المُوكلَ، إِذَا قَال لِوَكِيلِهِ: "لَا تَفعَل هَذَا" -كَانَ ذلِكَ فَسخًا مَانِعًا مِن الانعِقَادِ-: فَكَذَا هَهُنَا بَل ههُنَا أَولَى؛ لأَن المَالِكَ الحَقِيقِي لَيسَ إِلَّا اللهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
===
ومِن تمام البحثِ في المَنَاهِي مَسألَة، وهي:
أَنَّ متعلقَ النهيِ ما هو؟
قال أصحابُنا، وأكثرُ المعتزلة: متعلقه فعل الضد.
وقال أَبو هاشم مِنَ المعتزلة، والغزالي مِنا: متعلقه الإِعراض، والترك.
قال أَبو هاشم: والترك ليس بفعل البتة؛ فإن الباري -سبحانه- يوصف به في الأزل، ولا فعل في الأزل.
احتج اصحابنا بأن المنهيَّ عنه لا بد وأَن يكون مقدورًا، والقدرة تستدعي أثرًا، والعدم لَا شَيء؛ فلا يَصِح أن يكون أثرًا؛ لأنه مستصحب، فنسبته إلى القدرة تحصيلُ الحاصل.
واحتج الغزالي؛ بأن مَن عُرِضَت له داعية الزِّنَا، فمنع نفسه مِن ذلك؛ فإنه يُحمَدُ عند العقلاء.
وحاصِلُ ما ذكره: أن الكف ليس نفيًا محضًا، بل لا بُد فيه مِنْ أخذ العدم عند داعية ما له عرضية الحصولِ، مما هو مقدورٌ للمكلف، فتندفع المفسدة، فلا جَرَمَ أنه إن لم يخطر له الزنا، لم يثب على تركه.
ومما ذكره أبو هاشم من تسمية البَارِي -سبحانه- تاركا في الأزل: إن أراد به نفي مجرد الفعل، فهو حَقٌّ مِن جهة المعنى، بعيدٌ من حيث اللفظ؛ إذ لا يقال في العُرف: "تارك لكذا" إلَّا لما كان بعرضية الثبوتِ، وإذ لَا يصِح فعل أو لا قط؛ تحقق الترك، والله أعلم.