النهيُ -عِنْدَنَا- لَا يَدلُّ عَلَى الصحةِ البَتةَ. وَقَال الحَنَفِيةُ: يَدل عَلَيهِ.
لَنَا: أَن النهيَ عَنْ بَيع المَلاقِيح وَالمَضَامِينِ- حَاصِلٌ، وَلَم يَدُل عَلَى الصِّحَّةِ؛ وَكَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22]، وَالمُرَادُ مِنهُ: النهيُ عَنِ الوَطءِ، وَلَم يَدُل هذَا عَلَى الصِّحَّةِ أصلًا.
احتجوا: بِأنهُ لَوْ كَانَ المَنهِي عَنْهُ مُمتَنِعًا- لَم يَكُنْ فِي النهيِ فَائِدَة؛ كَمَا [لا] يُقَالُ لِلأعمَى: لَا تبصِر، وَللزمِنِ: لَا تَقُم.
===
[المسألة العشرون]
لا تدل إضافة النهي ألبَتة على صحة المنهي عنه.
وقالتِ الحنفيةُ: تدل عليه.
هذه المسألةُ مِنْ فروع أَن النهي لَا يَدُل على الفساد.
والقائلون به اختلفوا: فزعم أَبُو حنيفةَ، ومحمدُ بنُ الحَسَنِ -رحمهما الله تعالى- أنه يتضمن الصّحّة؛ واحتجا بذلك على انعقاد بيع الربَا، وانعقادِ صوم يوم العيد.
ومستندهما أمران: أحدُهما: أن النهي يُضافُ إلى الماهِيات الشرعية، والماهيات الشرعية لابُد أن تكون بحال يصح.
الثاني: أن المنهي عنه لا بُدَّ أن يكون ممكنًا؛ لعدم فائدةِ النهي عن الممتنع.
وَافتُرِضَ عليهما بوجْهينِ: الأول: لا نُسلِّم أن الشَّارعَ غَيرَ في طَرَفِ النهي؛ قاله الغزالي. وهو بَعِيد؛ فإنهُ لا يفهم مِنْ قولِه - صلى الله عليه وسلم -: "دعي الصلاة أَيامَ أقرَائِكِ" النهي عن الدعَاءِ.
الثاني: سلمنَا أنه غير الماهِياتِ، لكن لا نُسلم دخول الاعتبار فيها، بل إنما غيرها على وَجه تكون معروضة للنهي والأمر، فيتصور عليها الصحة والفساد.
قوله: "لنا: أَن النهي عن بيع الملاقِيحِ، والمَضَامِين حاصل، ولم يدل على الصحة".
حاصله: أَن من قال بالصحة، لا يقوله مطلقًا، وإنما يقوله فيما إِذا كان مشروعًا بأصله دُون وَصفِه.
فاحتج عليهم بكُلِّ ما نهى عنه مما ليس مشروعًا بأضلِه: كبيع المَلاقيح، والمَضَامِين،