إذاً: هذا البحث يتعلق بما أورده القرافي رحمه الله تعالى من أن دلالة العام قبل التركيب في دلالته على بعض أفراده، أو على فردٍ من أفراده ليست مطابقية، ولا تضمنية، ولا التزامية.
فحينئذٍ هذا مثالٌ لنقض حصر الدلالة الوضعية اللفظية في ثلاث، بل بقي عليهم رابع أين هو؟ يحتاج إلى مصطلحٍ خاص، والصواب أنه لم يخرج عن الدلالات الثلاث، بل هو دلالة تضمن وما أورده من حُجج ونحوها فإنما يُرَد عليها بما ذُكر.
قال رحمه الله تعالى: (والدلالةُ) هنا جاء إلى تعريف الدلالة، وهذا قلنا خلاف الأصل، الأصل أن يقدِّم التعريف على الأقسام، يعرِّف أولاً الدلالة، ثم بعد ذلك يُورِد الأقسام، فعكس المصنف هنا تمشِّياً مع صاحب المتن.
(والدلالةُ) الدلالة مُثلثةُ الدال يعني: تُفتح وتُكسر وتُضم الدال، قالوا: دَلالة ودِلالة ودُلالة.
أفصحُها الفتحُ ثم الكسر وأردؤها الضم، هكذا قال الشيخ الأمين: أفصحُها الفتحُ ثم الكسر وأردؤها الضم، أردؤها الضم لا يلزم أن لا يكون مسموعاً.
يعني: نُقِل لكنه لغة قليلة ضعيفة، وإلا هو مسموعٌ.
الدلالة مصدر دل، وعرَّفها المصنف هنا بقوله: (كونُ الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيءٍ آخر).
(كون الشيء) يعني: وجود الشيء، والشيء المراد به هنا الدال.
(كون الشيء) أي: الدال.
وقال الشيء من أجل أن يعم، ما قال اللفظ .. كون اللفظ، لو قال: اللفظ لخَص الدلالة بالدلالة اللفظية، وقلنا: الدال ليس خاصاً باللفظ، قد يكون لفظاً وقد يكون غير لفظٍ.
(كون الشيء) أي: وجود الشيء الدال يعني لفظاً كان أو غيرَه.
(بحالة) الباء هذه للمُلابَسة، وإضافته لما يليه للبيان.
(بحالة) هي (يلزم).
(بحالة يلزم من العلم) بحالة تلك الحالة ما المراد بها؟
هي وضعُ اللفظ بإزاء المعنى؛ ليُفهَم منه عند إطلاقه سواءٌ فُهِم بالفعل أو لم يُفهم، فإنِّ الدال يسمى دالاً ولو لم يُفهم منه شيء، ويُطلق عليه أنه دالٌ حقيقة وهذا محل نزاعٍ بينهم في بعض التعاريف.
ولذلك بعضهم يفسِّر الدلالة بأنها: فهمُ الشيء من الشيء، أو فهم أمرٍ من أمرٍ.
سواءٌ فُهِم منه بالفعل أو لم يُفهم، فيسمى دلالة. قد يقرأ الآية ولا يفهم منها شيئاً، ويقرأها آخر عالِم ويستنبط منها ويستدل بها، حينئذٍ في الثاني هي دالة ولا شك، وفي الأول هي دالة كذلك ويسمى دليلاً ولو لم يَفهم منها شيء.
(بحالة) عرفنا المراد (يلزم من العلم به) الضمير يعود إلى ماذا؟ (به) أي: بهذا الشيء (كون الشيء بحالةٍ يلزم من العلم به) أي: بهذا الشيء (العلمُ بشيءٍ آخر).
أي: بسبب تلك الحالة وبواسطتها العلمُ بشيءٍ آخر.
والمراد باللزوم في قوله: (يلزم) اللزوم مطلقاً بيِّناً أو غيرَه، عرفنا البيِّن: الذي لا يحتاج إلى دليل، وغيره .. غير البيِّن: الذي يحتاج إلى دليل.
إذاً: (كونُ الشيء) فيه عموم لفظاً أو لا.
(يلزم من العلم به العلم بشيءٍ آخر) اللزوم هنا لا يختص بالبيّن، بل يشمل البيّن الذي لا يحتاج إلى دليل، وغير البيّن الذي يحتاج إلى دليل.
والمراد بالعلم: ما يشمل التصور والتصديق؛ لأن الدلالة قد تكون إفرادية، وقد تكون تركيبية، فليست خاصة بالمفردات.