الكلام الآن في العام قبل الحكم عليه، أو في العام بعد الحكم عليه؟ فرقٌ بين مسألتين.

نبحث في العام قبل أن تحكم عليه، المؤمنون هذا لفظٌ عام له مدلول ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)) [المؤمنون:1] لفظٌ عام له مدلول آخر، إذا قيل: المؤمنون هذا دون إثبات حكم، هذا من باب التصورات؛ لأنه إثباتٌ لمفرد دون إثبات حكمٍ له.

((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)) [المؤمنون:1] هذا من باب التصديقات، ما معنى ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)) [المؤمنون:1]؟

معناه: كل فردٍ من أفراد لفظ المؤمنون يصدُق عليه ويتْبعُه الحكم فرداً فرداً، فـ: زيدٌ المؤمن مفلح في الدنيا وفي الآخرة. هذا الأصل لأنه أطلق قال: ((قَدْ أَفْلَحَ)) [المؤمنون:1] ما قيده قال: في الآخرة، حتى في الدنيا ولو كان مُعذَّباً فهو مفلح ولا شك.

((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)) [المؤمنون:1] إذاً: كل فردٍ فردٍ من أفراد المؤمنون يترتب عليه الحُكم.

فحينئذٍ يكون المعنى: زيدٌ مفلح، عمروٌ مفلح، بكرٌ مفلح .. هذه قضايا؛ لأن عندنا محكومٌ ومحكومٌ عليه.

زيدٌ مفلح، عمرو مفلح .. وقل ما شئت.

إذاً: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)) [المؤمنون:1] في الظاهر أنه جملة واحدة، لكنه في الباطن وفي المعنى أنه عِدة قضايا بلا حصر.

قال الشارح هنا: (دلالةُ العام على بعض أفراده كجاء عبيدي مطابَقة؛ لأنه في قوة قضايا) يعني: جُمل (بعدد أفراده) إذا قلت: جاء عبيدي .. هذا نحن نأتي بالقرآن أحسن: جاء عبيدي، عبيدي هذا جمعٌ مضاف فيعم دخل فيه زيدٌ وبكر وعمر .. إلى آخره.

جاء عبيدي يعني: جاء زيدٌ، وجاء عمروٌ، وجاء بكرٌ إلى آخره، كما نقول: أفلح زيدٌ، وأفلح بكرٌ وأفلح عمروٌ، أو زيدٌ مفلحٌ .. إلى آخره.

نقول: هذا التركيب في الحكم على اللفظ العام يتضمن عدة قضايا "يعني: جُمل" كل موضوعٍ من هذه القضايا هو فردٌ من أفراد العام، ويُحكم عليه بالحكم الذي سُلِّط على العام وهو الفلاح فيما ذُكر.

حينئذٍ الدلالة هنا دلالة مطابقة، وهذا لا إشكال فيه أنه دلالة مطابقة ولذلك قال: (بعدد أفراده أي: جاء فلانٌ وجاء فلان .. وهكذا).

لكن ليس هذا محل البحث، المصنف سها رحمه الله تعالى، البحث في العام دون حُكمٍ. يعني: في عبيدي فقط لا في جاء عبيدي، البحث مع القرافي وكلامُ القرافي كما سيأتي وبعض كلامه يشير إلى ذلك أن البحث في عبيدي قبل تسلُّط الحكم عليه، أما بعده فلا إشكال فيه أنه كُلّيّة. بمعنى أن الحكم يُسلَّط على كل فردٍ من أفراد الموضوع، هذا لا إشكال فيه، وُيسلِّم به حتى القرافي.

لكن المراد هنا البحث في العام دون تسليط حُكمٍ عليه.

(مادة النقض هي: عبيدي فقط من جاء عبيدي) بدليل قوله (لأن بعض أفراده) وإذا قيل: بعض أفراده المراد به اللفظ دون الحكم، وقوله: بل هو جزئيٌ .. إلى آخره فيما سيأتي.

وحينئذٍ فقول المجيب: (إنه في قوة قضايا .. ) إلى آخره ممنوع، ليس بصحيح.

إذا قيل: بأن المؤمنون فقط أو عبيدي في قوة قضايا ممنوع؛ لأن مصدَق اللفظ –المؤمنون- ليس فيه حكمٌ، من أين جاءت القضايا؟

إذا قلت: المؤمنون دون إثبات حُكمٍ هذا تصَوُّر، من أين جاءت القضايا عندما تقول: أفلح المؤمنون؟ أنت ما سلَّطت حكماً على اللفظ العام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015