هذه الأقيسة حقة أم باطلة؟ نقول: باطلة، كيف نفهم بطلانها؟ بهذا الفن، كيف نردُّ عليهم؟ بهذا الفن.
لماذا؟
لأن المعتمِد على النفي إنما اعتمد على أقيسةٍ باطلة ولا يمكن ردُّها إلا بفهم هذا الأصل عندهم.
قال هنا: لأنَّ أكبرَ سبب لإفحام المبطِل أن تكون الحجةُ عليه من جنس ما يُحتج به.
وهو كذلك.
لأنَّ أكبر سبب لإفحام المبطِل أن تكون الحجة عليه من جنس ما يحتَج به. فالجهمي في باب الأسماء والصفات لا يؤمن بقرآن ولا بسنة قطعاً، وإنما يؤمن بعقله المقدّس، وعقله المقدّس هذا كالكتاب المقدّس يعني .. من جنس واحد.
فحينئذٍ لا يبني ما عنده إلا على هذه الأقيسة التي ظن أنها حقٌ، فحينئذٍ كيف يُنظر فيما عنده؟ نقول: لا بد من هذا الفن.
قال: لأنَّ أكبر سبب لإفحام المبطل أن تكون الحجة عليه من جنس ما يحتج به.
فالرد على الجهمي إنما يكون بالأقيسة الصحيحة الحقة، والرد على المعتزلي كذلك وغيره من أهل البدع.
وأن تكون مركبة من مقدمات على الهيئة التي يعترف الخصم المبطل بصحة إنتاجها.
قال رحمه الله: ولا شك أنَّ المنطق لو لم يُترجَم إلى العربية ولم يتعلمه المسلمون لكان دينُهم وعقيدتُهم في غنىً عنه كما استغنى عنه سلفهم الصالح.
وهذه مُسلَّمة ولا إشكال فيها، ونحن نتكلم عن واقع لا نتكلم عن شيءٍ في الذهن.
يعني: نتكلم عن واقع بمعنى أن العقيدة الآن -كتب المعتقد- قد خالطها شيءٌ من المنطق.
إذاً لا بد الكلام أو الفتوى أو النظر يكون باعتبار الواقع لا باعتبار شيءٍ في الذهن، وما ذكره الشيخ هنا شيءٌ واقعي أم ذهني؟ لو لم تُترجم لكنا في غنى، هل استغنينا؟ نقول: لا. لم نستغني، لماذا؟ لأنها تُرجمت. العكس.
حينئذٍ لو لم تُترجم كتب المنطق لكنا في غنى كما استغنى السلف الصالح، لكن لم نكن في غنى؛ لأنها تُرجِمت ودخلت في علوم الشريعة.
إذاً: نتكلم عن شيءٍ واقعي ولا نتكلم عن شيءٍ في الذهن.
لكان دينُهم وعقيدتُهم في غنىً عنه كما استغنى عنه سلفهم الصالح.
ولكنه لمّا تُرجم وتُعُلِّم وصارت أقيسته هي الطريقةَ الوحيدة لنفي بعض صفات الله الثابتة بالوحيين، كان ينبغي لعلماء المسلمين أن يتعلموه وينظروا فيه؛ ليردوا حجج المبطلين بجنس ما استدلوا به على نفيهم لبعض الصفات.
كان ينبغي لعلماء الإسلام أن يتعلموا هذا الفن؛ من أجل الذب عن الشريعة، وباب المعتقد على جهة الخصوص.
لأنّ إفحامهم بنفس أدلتهم أدعى لانقطاعهم وإلزامهم الحق.
ثم قال رحمه الله تعالى: واعلم أنّ نفس القياس المنطقي في حد ذاته صحيح النتائج إنْ رُكِّبت مقدماتُه على الوجه الصحيح صورةً ومادة.
يعني: القياس في نفسه صحيح وحق، كما أن الإجماع في نفسه صحيحٌ وحق، كما أن القياس (الدليل الرابع) في نفسه صحيحٌ وحق كذلك.
لكن قد يُردُّ القياس لكونه لم يأت على الصورة الصحيحة، قد يُرد الإجماع لكونه لم يستوفِ الشروط.
حينئذٍ إذا كثُرت الإجماعات ورُدَّت لا نرجع إلى الأصل فنرده من أصله، وكذلك الشأن في القياسات.
هنا الشيخ يشهد -رحمه الله تعالى- على أن القياس المنطقي في أصله صحيح وحق، بل يرى أنه قطعي، لكن متى؟ إنْ رُكِّبت المقدِّمات على الوجه الصحيح من حيث الصورة ومن حيث المادة.