هل تأخذ كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وتردده من غير فهمٍ، وخاصةً إذا كان الذي يرُد ليس كتابة الذي يرد بالمناظرة والمجادلة، وحينئذٍ كيف يرُد؟

هذا لا يمكن ولا يتأتى له إلا إذا نظر في هذا الفن.

لأنه أولاً: يفهم عقيدة المخالف بناها على أي شيء؟

ثم بعد ذلك ينقض هذه العقيدة.

فثَم أمران: الأمر الأول: يفهم دليل المستدل؛ لأنك إذا أردت أن ترُد باطلاً فلا بد أن تفهم هذا الباطل، كيف استوى؟ على أي ساق، على أي دليل، على أي وِجهة؟ لا بد أن تفهمه، أم ترد هكذا؟ نقول: لا. لا بد أن تفهم أولاً القول الباطل، فكيف تفهمه وهو قد استند إلى هذا الفن؟

إذاً: لا يمكن أن يُعرف ما عند المنطقيين والمتكلمين من الباطل إلا بمعرفة هذا الفن، ولا يمكن أن يُفهم ما عندهم من استدلالات إلا بفهم هذا الفن.

ثم ثالثاً: لا يمكن أن ننسف ما عندهم من باطل إلا بفهم هذا الفن، ولو قلنا بأن الرد واجب فحينئذٍ نقول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولكن هذا لا يكون مطلقاً لكل أحد وإنما لمن كانت عنده أهلية النظر في الشرع.

إذاً: قال: ولا يفهم الردَّ على المنطقيين فيما جاءوا به من الباطل إلاّ من له إلمامٌ بفن المنطق.

ثم قال: وقد يعين على رد الشبه التي جاء بها المتكلمون في أقيسة منطقية.

"وقد يعين" قد للتحقيق هنا يعني: ليست للقلة، قد إذا دخلت على المضارع أفادت -في المشهور- التكثير أو التقليل، هذا المشهور عند النحاة. ولا تأتي للتحقيق إلا إذا دخلت على الماضي .. إذا دخلت على الماضي أفادت التحقيق أو التقريب.

التحقيق: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)) [المؤمنون:1]، التقريب: قد قامت الصلاة .. قد غربت الشمس.

وعند جماهير النحاة لا تأتي للتحقيق، وهذا ليس بسديد بل الصواب أنها قد تأتي للتحقيق إذا دخلت على الفعل المضارع، قال تعالى: ((قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ)) [الأحزاب:18] هنا نحملها على التكثير أو التقليل؟ لا هذا ولا ذاك، وإنما على التحقيق.

التحقيق المراد به: وقوع ما بعده. يعني: متحقَّقُ الوقوع، الحدث الذي بعد قد متحقق الوقوع ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)) [المؤمنون:1] إذاً: الفلاح متحقق أو لا؟ متحقق.

ولذلك تُعد قد من المؤكِّدات عند البيانيين؛ لأنها تؤكِّد وقوع الحدث.

كذلك ((قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ)) [الأحزاب:18]، ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ)) [الحجر:97] كل هذه نقول: قد هنا للتحقيق، خلافاً لما اشتهر على ألسنة النحاة بأنها لا تكون إلا للتقليل والتكثير.

إذاً: "قد يعين" للتحقيق هنا.

قد يعين على رد الشبه التي جاء بها المتكلمون في أقيسة منطقية. فزعموا أنَّ العقل يمنع بسببها كثيراً من صفات الله الثابتة في الكتاب والسنة.

نفوا كثيراً إن لم يكن جميع الصفات الثابتة في الكتاب والسنة، والتي الأصل فيها التسليم على ما جاء به قول الباري جل وعلا وقول نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتماداً على الأصل في باب الأسماء والصفات.

نفوا كثيراً من مدلولات هذه الأسماء والصفات، بناءً على أقيسةٍ، والأقيسةُ هذه سيأتي أنه الطريق الموصل إلى التصديق.

إذاً: على شيءٍ من فن المنطق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015