يعني: إن استوفى الشروط، كما أن القياس في باب الشرعيات إذا استوفى الشروط فهو حق كذلك الشأن هنا.
إذاً: لا يُنظر في المنطق من حيث ما رتَّب عليه أهل البدع فحسب، هذه نظرة قاصرة، وهذا الذي أودى ببعض الطلاب هنا إلى مسألة التذبذب في تعَلُّم هذا الفن .. ندرُس أو لا ندرس؟
حينئذٍ نقول: النظر هنا في القواعد من حيث أصلُها، والنظر في استعمال هذه القواعد، حينئذٍ إذا استعمله المبتدئ على وجهٍ مخالف نرد عليه ببيان وجه المخالفة، وأما الأصل فيبقى على أصله.
ولذلك قال هنا: واعلم أن نفس القياس المنطقي في حد ذاته صحيحُ النتائج إن رُكِّبت مقدماته على الوجه الصحيح صورةً ومادة، مع شروط إنتاجه فهو قطعي الصحة (ليس ظني)، وإنما يعتريه الخلل من جهة الناظر فيه فيغلط، فيظُن هذا الأمر لازماً لهذا مثلاً. هذا يلزم من كذا وقد يخطئ، قد يظن أن هذا لازم وهذا ملزوم، وليس بينهما ملازمة، يمكن أو لا؟ يمكن.
قد يظن أن المقدمة الصغرى صحيحة وهي باطلة، أو العكس- الكبرى- .. ونحو ذلك.
فيستدل بنفي ذلك اللازم في زعمه على نفي ذلك الملزوم مع أنه لا ملازمة بينهما في نفس الأمر البتة.
إذاً: يقع الغلط والخطأ من حيث الاستعمال لا من حيث الأصل، فإنه قطعيٌ كما قال الشيخ هنا.
قال: ومن أجل غلطه في ذلك تخرج النتيجة مخالفة للوحي الصحيح لغلط المستدل. ولو كان استعماله للقياس المنطقي على الوجه الصحيح لكانت نتيجته مطابقة للوحي بلا شك؛ لأنّ العقل الصحيح لا يخالف النقل الصريح إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.
إذاً: هذه الجملة نفيسة من كلام الشيخ الأمين رحمه الله تعالى ذكرها في مقدمة كتابه الذي يسمى بالمقدمة المنطقية أو آداب البحث والمناظرة، وجعلَ في القسم الأول قواعد المنطق، بيَّن فيه أنه ينبغي أن يدرُس أهل العلم الذين يتصدون للرد على المخالفين .. أن يدرسوا هذا الفن من أجل الرد على المخالفين، وعلى شبه هؤلاء المبتدعة.
ثم في نفسه كطالب العلم أن ينظر فيه ليفهم كما سيأتي في كلام الشوكاني رحمه الله تعالى .. أن يفهم مصطلحات هذا الفن من أجل أن يفهم كثيراً من كتب أصول الفقه، وما تعلق به من علوم اللغة.
وأصبح دراسة المنطق مطلوبةً عند بعض المتأخرين لدراسة بعض العلوم كالأصول. كما ذكرنا.
لأن كثيراً من مؤلفاتها الصيغة في قالبٍ منطقي فتعذر التمكن فيها إلا بدراسته.
نعم تعذَّر؛ لأنها في جُلِّها إن لم تكن كلها مبنيةٌ على هذا العلم، فلن يتمكن فيه طالب العلم إلا بالتمكن في هذا الفن.
وقد قرر ذلك جماعةٌ من أهل العلم.
قال ابن القاسم العبَّادي في حاشيته على تحفة المحتاج: قال في الإمداد: بل هو (أي: المنطق) أعلاها أي: العلوم الآلية.
وهذا من الغلو، كما هو الشأن في بعض من يغلو في باب القياس الشرعي (الذي هو رابع الأدلة)، هنا كذلك بعضهم يغلو في باب المنطق، حتى قال الغزالي: من لا علم له بالمنطق لا ثقة في علمه. يعني: علمُه هباءً منثوراً. هذا كلام فاسد لا يعوَّل عليه، لماذا؟