ثُم حركة غلام على حسب العوامل التي تقدمت عليه، وأما زيد ملازم لِ "وَالْثَّانِيَ اجْرُرْ" إذاً: فهو ملازمٌ للجر، حينئذٍ نقول: ملازمٌ للجر ولا يجوز رفعه ولا نصبه؛ لأن العرب نطقت به هكذا.

أما غلامُ زيدٍ، غلامُ هندٍ، غلامُ أحمد، غلامُ بكرٍ .. قل ما شئت.

ولا يُشترط فيه أن يكون المضاف والمضاف إليه بالتركيب المعيّن أن يكون منقولاً عن العرب، هذا نسميه وضعاً شخصياً لكنه ليس موضوعاً يعني: لا نقول بأن هذا الوضع قد نُقل عن العرب وإنما المراد به الوضع النوعي.

ولذلك الخلاف الذي يوجد في كتب النحاة عند تعريف الكلام: هل الكلام موضوع بالوضع العربي يعني: دلالة وضعية أم عقلية؟

نقول: لا شك أن الخلاف هنا إذا حُمل على النوع والتفصيل لا يبقى خلاف؛ لأن ابن مالك وأبا حيان يريان أن الدلالة عقلية، إن كان المراد دلالة عقلية بحيث أنك تستعمل القواعد وتطبقها على المفردات التي قد تكون أنت أحدثتها، فلا إشكال في أنه عقلي.

دلالة الكلي على الجزئي وانسحاب الجزئي من تحت الكلي هذا لا شك أن العقل هو الذي يُعمِله، فإعمال العقل هنا لا إشكال فيه، لكن ليس هذا المراد وإنما المراد القواعد العامة هذا متفق عليه لا يقول به قائل البتة لا من أهل العلم ولا من غيرهم، أنه لا يتكلم إلا بما نُطق عن العرب، نقول: هذا ليس بصواب.

إذاً: قوله: (ما وُضع) ما أي: معنى، سواءٌ كان هذا المعنى مفرداً دل عليه لفظٌ مفرد يعني: موضوع بالوضع العربي، أو كان مركباً دل عليه بالتركيب، سواء كان تركيباً تاماً أم ناقصاً.

(وهو ما) أي: لفظٌ.

(وُضِع لمعنى) والمعنى ما يُقصَد من اللفظ. هذا تفسيرٌ للفظ الدال.

الوضع -العطَّار له كلام جميل لا بد من الوقوف معه- الوضع في اللغة: جعْل الشيء في حيِّز، وضعتَ هذا في هذا المكان، هذا يسمى وضعاً وضعُ الشيء في حيِّز، تضع هذا في الجيب مثلاً، تقول: هذا وضعٌ يسمى وضعاً في لسان العرب، سواء كان متعلقاً بالمفردات أو بغيرها، في حيِّز.

وعرفاً له معنيان:

أحدُهما: جعلُ الشيء بإزاء المعنى ليدل عليه بنفسه.

جعل الشيء بإزاء المعنى يعني: بمقابلة المعنى، إذا أُطلق اللفظ أُريد به هذا المعنى. هذا المراد بالإزاء، إزاء يعني: مقابِل.

إذا أُطلق زيد له معنى، إذاً: من الذي وَضع هذا اللفظ لهذا المعنى؟ نقول: من جهة العرب.

الإزاء هنا المراد به المعنى المنفهِم عند إطلاق اللفظ، فكل لفظٍ له معنى خاص سواء كان مفرداً أو مركباً، لا يمكن أن يختلط، إذا قلت: جاء زيد معناه تفهم الجِرم الذي هو السماء لا، وإنما تفهم المدلول الذي وضِع له هذا اللفظ وهو الذات المشخَّصة.

شربتُ ماءً، الماء معلوم، كذلك: أكلتُ خبزاً، الخبز معلوم.

إذاً: كل لفظٍ له معنى يختص به، وضعُ هذا اللفظ لهذا المعنى توقيفي، لا شك فيه؛ لأن الذي تحكَّم في ذلك وقرن بين اللفظ والمعنى هو الواضع سواءٌ قلنا الواضع هو الله عز وجل وهو قول الجمهور وهو الصحيح.

وَاللُّغَةُ الرَّبُّ لَهَا قَدْ وَضَعَا ... وَعَزْوُهَا لِلاِصْطِلاَحِ سُمِعَا

أو قلنا بأن العرب أو غيرهم تواطئوا .. إلى آخره مما هو خلافهم مشهور عند أهل العربية، والأول كما قلنا الصواب، سواء قلنا هذا أو ذاك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015