فحينئذٍ نقول: اللفظ بإزاء المعنى، بمعنى أن الواضع -بقطع النظر عن الوضع- قال: بأنه إذا أُطلق هذا اللفظ فيُرادُ به هذا المعنى، فإذا أردتَ هذا المعنى أطلِق هذا اللفظ، سواء كان في المفردات أو في المركبات.
جعْلُ الشيء بإزاء المعنى ليدل عليه بنفسه، ليدل عليه بنفسه يعني: بذاته بدون واسطة "بدون قرينة"، لا نحتاج إلى معونة.
وهذا احترازاً من المجاز؛ لأن المجاز لا يدل عليه بنفسه اللفظ بذاته، زيدٌ أسدٌ لا بد من قرينة. جاء أسدٌ لا بد من قرينة، رأيتُ أسداً يخطب لا بد من قرينة.
لكن المراد هنا في النوع الأول -أن يدل عليه بنفسه- يعني: بذاته، لا حاجة إلى قرينة أو معونة تبين المعنى الذي أُطلق اللفظ من أجله.
قال: وهذا هو المعنى الأخص المتبادر منه عند الإطلاق المُعْتَبر في اصطلاحاتهم وتنبني عليه الأحكام اللفظية من الدلالات الثلاث والترادف والاشتراك وغيرها، الفارق بين الحقائق والمجازات.
هذا النوع الأول جعلُ الشيء بإزاء المعنى ليدل عليه بنفسه.
يعني: لا نحتاج إلى قرينة أو معونة قرينة.
النوع الثاني: جعلُ الشيء بإزاء المعنى ليدل عليه ولو بمعونةِ قرينة، الفرق بينهما القرينة وعدم القرينة، وهذا المعنى الأعم الشامل للحقيقة والمجاز.
إذاً: الفرق بينهما: المعونة في القرينة، وينقسم كلٌ منهما إلى وضعِ العين للعين "يعني: الذات للذات نفسِها" كما في المفردات، وإلى وضعِ الأجزاء للأجزاء كما في المركبات.
وهذا جرْياً على الصحيح، أن المركبات موضوعة والدلالة فيها دلالةٌ وضعية لا دلالة عقلية؛ لأن الذي وَضع الأجزاء للأجزاء هو العربي بالمعنى النوعي، والذي وضع المفردات هو كذلك العربي.
وأيضاً ينقسم إلى الوضع الشخصي وهو ما وُضِع الشيء الملحوظ بخصوصه للمعنى كوضع الإنسان للحيوان الناطق، وإلى الوضع النوعي.
والتقسيم هذا عند العطَّار متقاربان يعني: وضع العين للعين والأجزاء للأجزاء قد يقال بأن الأول هو الشخصي والثاني هو النوعي، لكنه كان ناقلاً عن غيرِه وغيَّر في العبارات.
إلى الشخصي "الوضع الشخصي" وهو وضعُ الشيء الملحوظ بخصوصه للمعنى كوضع الإنسان للحيوان الناطق.
وإلى الوضع النوعي وهو وضع الشيء الملحوظ مع أشياء أُخر بوجهٍ عام، يعني: القواعد العامة التي تكون منوطةً بالجملة الاسمية، وهذا الوضع النوعي هو القواعد التي ينص عليها النحاة في باب المبتدأ والخبر، وكذلك في الجملة الفعلية.
فكل قاعدة رجَّح النحاة أنها على وَفق ما نطق به العرب فهي وضعية، لكن وضعيةٌ من حيث النوع. ولذلك قلت: يجب أن يتقدم الفعل على فاعله، هذه قضية عامة لا تتعلق بقام زيد ولا مات عمروٌ .. إلى آخره، إنما القضية عامة.
هل يجوز تقديم الفاعل على الفعل؟ لا يجوز، إذاً: هذه قضيةٌ عامة وقُل ما شئت في ذلك.
قال: كوضع المشتقات.
كذلك المشتقات وضعُها نوعي يعني: إذا أردت اسم الفاعل فتأتي به على زِنة فاعل إن كان من باب فعل المتعدي إلى آخره.
إن كان أكثر من الثلاثي فتأتي به على زنة الفعل المضارع بإبدال الياء ميم مضموماً وكسر ما قبل آخره، هذه تتعلق بقاعدة عامة.