المعنى هو ما يُقصد من اللفظ، حدُّ المعنى عند النحاة هناك وهو كذلك هنا: ما يُقصد من اللفظ. فكل ما يُقصد من اللفظ يسمى معنى، انتبه هنا إطلاق، الإطلاق يشمل ما إذا كان اللفظ مفرداً أو مركباً، مفرداً كزيد هذا نقول: أفهم وهو دلالته على ذات مشخَّصة مشاهدة في الخارج، كذلك زيدٌ قائمٌ .. قام زيدٌ لفظٌ، وله معنى: ثبوتُ القيام لزيد في الزمن الماضي في الجملة الفعلية، وثبوت القيام لزيد في الحال في الجملة الاسمية.

إذاً: هذا المعنى من أين أخذناه؟ أخذناه من اللفظ، ما هو اللفظ؟ زيد وزيدٌ قائمٌ، وقام زيدٌ.

زيدٌ لا شك أنه موضوع وهذا محل وفاق؛ لأنه من قبيل المفردات، وهو موضوعٌ بالوضع العربي، وهو تعيين اللفظ بإزاء المعنى.

أما التراكيب فهذه محل نزاع عندهم، هل هي موضوعة أو لا؟ وسيأتي كلام العطّار.

والصواب: أنها موضوعةٌ لكن وضعُها نوعي لا شخصي، وهذا فرقٌ بين النوعين.

المفردات كل لفظٍ كزيد، وبيت، وسماء، وأرض .. وقل ما شئت، كل لفظٍ نطقت به العرب يعني: وضعه الواضع. هذا يسمى شخصياً يعني: تعيينُ معيَّن لمعيَّن.

وأما ما يتعلق بالكلام فهنا وضْعان: وضعٌ نوعي من جهة كون العربي إذا أراد أن يحكم على شيءٍ ما بشيءٍ فيأتي بالمحكوم عليه أولاً وهو الذي يسمى بالمبتدأ، ثم يأتي بالمحكوم به ثانياً وهو المسمى بالخبر، ويقدِّم المبتدأ على الخبر على مقتضى القواعد التي قررها النحاة في باب المبتدأ والخبر.

حينئذٍ نقول: هذه يُعتبر وضعاً، لكن هذا الوضع نوعياً؛ لأنه يتعلق بقواعد، وأما الوضع الشخصي للكلام فهذا لا يقول به أحد بأنه موضوعٌ وضع من جهة المتكلم أو الواضع العربي؛ لأنه يلزم منه ألا يتكلم متكلمٌ "بلغة العرب" إلا بما أُثر عن العرب، فكل اسمٍ محدثٍ بعد ذلك لا يصح أن يُسنَد إليه ولا أن يُسنَد هو؛ لأن العرب ما نطقت بهذا.

ولذلك دائماً نقول مثلاً: قال ابن باز مثلاً رحمه الله تعالى، العرب نطقت بقال، لكن هل وَضَعت عَلَماً ابن باز؟ ما وَضَعت علم.

إذاً: لو قلنا: كل تركيبٍ لا بد أن يكون منقولاً عن العرب لقلنا: هذا ليس بتركيبٍ لغوي، وإنما نقول: لا. هذا تركيبٍ لغوي؛ لأن هذا اللفظ: قال. فعلٌ وأُسند إلى الفاعل، وتقدم عليه وجئنا بالقواعد على ما هي عليه، ونطقنا بالفعل الماضي مبنياً على الفتح: قال، ونطقنا بالفاعل بعده على أنه مرفوعٌ بالفعل السابق .. إذاً: جئنا به على مقتضى القواعد العربية. وهذا لا شك أنه لا يقول به أحدٌ البتة، وإنما نقول: هو موضوعٌ وضعاً نوعياً يعني: العرب تحكمت بأنه إذا أُريد التركيب سواء كان التركيب إسنادياً تاماً كالكلام أو التركيب الإضافي أو التركيب التوصيفي، فعندنا في لغة العرب إذا أراد المركب الإضافي قدَّم المضاف على المضاف إليه، هل يجوز العكس؟ لا يجوز، لو نطق به ناطق قلت: أخطأ، لماذا خطَّأْتَه؟ لأنه خالف القواعد.

لو لم يكن ثَم قواعد لصح له أن يأتي بما شاء متى شاء، لكن نقول: هذه قواعد وهي أن المضاف مقدمٌ على المضاف إليه أولاً. غلامُ زيدٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015