حينئذٍ كيف تأتي بهذا الخلاف الذي هو ليس في هذا الموطن، فيُذكر فيما خلَّصه العلماء؟ هذا فيه شيءٌ من الخطأ.

وحينئذٍ نقول: هذا محله في المنطق المشوب بشبه الفلاسفة.

قال رحمه الله تعالى -الشيخ الأمين-: ومن المعلوم أنّ فن المنطق منذ تُرجِم من اللغة اليونانية إلى اللغة العربية في أيام المأمون كانت جميع المؤلفات توجد فيها عبارات واصطلاحات منطقية.

وهذا توجيه في أن أهل العلم الشرعي، لماذا يدرسُون علم المنطق؟ هو علمٌ دخيل، لا شك أنه دخيل ومُسلَّمٌ بهذا، لكن لماذا ندرُسه، ولماذا نشتغل به؟

لا لذاته وإنما لما يترتب عليه من فوائد.

قال: كانت جميع المؤلفات (يعني: كثير من المؤلفات) توجد فيها عبارات واصطلاحات منطقية لا يفهمها إلاَّ من له إلمامٌ به.

وهذا موجود في علوم الآلة على جهة الخصوص، النحو أُدخل فيه كثيرٌ من الاصطلاحات، وكذلك الصرف أُدخل فيه كثير من الاصطلاحات، وكذلك البيان والبلاغة، وأهمها علم أصول الفقه فقد خُلِط بهذا الفن.

وأما علوم اللغة فهي أخف، ويمكن الاستغناء عن كثير من الكتب التي اشتملت على شيءٍ من المنطق بغيرها، يعني: الانفكاك أمرٌ سهل في علوم اللغة، وأما في أصول الفقه لا يكاد أن يسلم الناظر في هذا العلم، بل لا يكاد أن يتمكن، بل لن يتمكن إلا إذا نظر في هذه الكتب على وجه الخصوص.

لو نظرت في شروح جمع الجوامع وغيرها، والمستصفى والبرهان، لا بد أنه اشتمل على شيءٍ من ذلك. بل جعلوا مقدمات منطقية، حينئذٍ كيف يفهمها طالب العلم الذي لا بد أن يعلم هذا الفن وهو أصول الفقه؟

لأن عديم النظر في كتب أصول الفقه هذا عديمٌ في علم الشرع، لا شك في ذلك؛ لأن الشريعة إنما هي استنباط يعني: استنباط أحكام شرعية من الوحيين، وهذا معتمدُه علم أصول الفقه، ولن يتمكن الطالب في هذا الفن إلا بالنظر في هذه المطولات، وكلها مشتملة على هذه الاصطلاحات، كيف يفهمها؟

إذا ادعى مدعٍ بأنه قد فهم وهو لم يدرس المنطق، هذا لا تُقبل دعواه؛ لأنه قد يكون له شيءٌ من الفهم، لكن الفهم الذي ينبغي لا، لا يمكن أن يتصور المسائل على الوجه الذي أراده الكاتب –المصنِّف- إلا إذا عرف المصطلح الذي تكلم به، وهذا المصطلح إنما هو فن المنطق.

ولذلك نقول: المنطق من أوله إلى آخره كله مصطلحات (قواعد)، حينئذٍ لا بد للناظر في علوم الآلة، وأصول الفقه على جهة الخصوص من النظر في هذا الفن وإتقانه، لا بد من إتقانه من أجل أن يُتقن أصول الفقه.

قال هنا: فيها عبارات واصطلاحات منطقية لا يفهمها إلا من له إلمامٌ به (بهذا الفن)، ولا يفهم الرد على المنطقيين فيما جاءوا به من الباطل إلاّ من له إلمامٌ بفن المنطق.

وهذه فائدة أخرى وهي: أن من درس المنطق ليسوا كلهم على مرتبة واحدة من الحق والباطل، قد يدرس المنطق ويستفيد منه فيما يستفاد في الحق، وفي الذب عن الشريعة، وقد يدرس المنطق من أجل تأصيل المسائل البدعية كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة .. كل هؤلاء دينهم، وعقيدتهم مبناه على الأمور العقلية، وهي مستنبطة أو معتمدة على هذه القواعد، هنا سيأتي السؤال الكبير: كيف ترد عليهم؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015