"فيها" أي: في هذه الأصول الخالصة من شُبه الفلسفة، فيها النفع الذي لا يخالطه ضرر البتة.
يعني: الضرر هنا من جهة المعتقد.
لأنها من الذي خلَّصه علماء الإسلام من شوائب الفلسفة كما قال العلاّمة شيخ مشايخنا وابن عمنا المختار بن بونة ... إلى أن قال في منظومته في علم المنطق:
فَإِنْ تَقُلْ حَرَّمَهُ النَّوَاوِيْ
قُلْتُ نَرَى الأَقْوَالَ ذِي المُخَالِفَةْ
أَمَّا الَّذِي خَلَّصَهُ مَنْ أَسْلَمَا ... وَابْنُ الصَّلاَحِ وَالسِّيُوطِي الرَّاوِيْ
مَحَلُّهَا مَا صَنَّفَ الْفَلاَسِفَةْ
لاَ بُدَّ أَنْ يُعْلَمَ عِنْدَ الْعُلَمَا
هذا توجيهٌ لما اشتهر عند بعض أهل العلم من أن المنطق محرّم ولا يجوز دراسته ولا تدريسه، ولا تعلُّمُه ولا تعليمُه.
نقول: المراد فيمن حرَّمه أنه المختلِط بشُبه الفلاسفة، قال: لا. كذلك الذي لا يختلط.
نقول: هذا قولٌ ويُعرض على الكتاب والسنة، والأصل فيه الإباحة.
إذاً: يُوجَّه على جهتين:
إما أن نقول: بأن من حرَّم دراسة علم المنطق مراده المنطق المشوب بشبَه الفلاسفة. وهذا لا إشكال فيه، إلا لمن كانت عنده أهلية النظر فحينئذٍ ينظر، الأصل في النظر في كتب أهل البدع الأصل المنع، إلا إذا كان يستطيع أن يميِّز بين الحق والباطل.
وأمّا قول الأخضري في سُلَّمِه:
وَالخُلْفُ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ
فَابْنُ الصَّلاَحِ وَالنَّوَاوِي حَرَّمَا
وَالقَوْلَةُ المَشْهُورَةُ الصَّحِيحَهْ
مُمَارِسِ السُّنَّةِ وَالكِتَابِ ... بِهِ عَلَى ثَلاَثَةٍ أَقْوَالِ
وَقَالَ قَوْمٌ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَا
جَوَازُهُ لِكَامِلِ القَرِيحَهْ
لِيَهْتَدِي بِهِ إِلَى الصَّوَابِ
ججج
ج
فهذه الأبيات اشتهرت في بيان ما يتعلق بحُكم المنطق، فصلٌ في جواز الاشتغال به، هذا ذكره صاحب السُلَّم في محله.
(وَالخُلْفُ) يعني: الاختلاف.
وَالخُلْفُ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ
فَابْنُ الصَّلاَحِ وَالنَّوَاوِي حَرَّمَا ... بِهِ عَلَى ثَلاَثَةٍ أَقْوَالِ
...........................
يعني: (حَرَّمَا) الاشتغال بعلم المنطق.
(وَقَالَ قَوْمٌ) كالغزالي أبي حامد: (يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَا)
اختُلف في (يَنْبَغِي) قيل: واجبٌ على الكفاية، وقيل: مستحبٌ.
وَالقَوْلَةُ المَشْهُورَةُ الصَّحِيحَهْ ... جَوَازُهُ لِكَامِلِ القَرِيحَهْ
جج
يعني: المختلِط، هذا الذي يُحمل عليه كلام صاحب السُلَّم أن المراد به المختلِط.
وَالقَوْلَةُ المَشْهُورَةُ الصَّحِيحَهْ ... جَوَازُهُ لِكَامِلِ القَرِيحَهْ
يعني الذكي الألمعي الذي يستطيع أن يميّز بين الغث والسمين، بين الحق والباطل.
مُمَارِسِ السُّنَّةِ وَالكِتَابِ ... لِيَهْتَدِي بِهِ إِلَى الصَّوَابِ
ج
قال الشيخ هنا: أما قول الأخضري (هذا الذي ذكرناه) فمحلُّه: المنطق المشوب بكلام الفلاسفة الباطل ..
يعني: هذا أخطأ الأخضري في ذكر هذه المسألة في هذا الكتاب؛ لأن كتابه إنما هو نظمٌ لإيساغوجي على المشهور، وإن لم يذكر ذلك في مقدمته، وإن زاد فيه بعض الأبواب.
فنظَمَ إيساغوجي، وإيساغوجي معلومٌ أنه (الذي شرحه زكريا الأنصاري هنا) أنه من (الَّذِي خَلَّصَهُ مَنْ أَسْلَمَا) يعني: الخالص من شُبه الفلاسفة.