النفي هنا مسلَّط على الشبه الفلسفية؛ لأنه قد يأتي معنا أن علم المنطق هل هو مقدِّمة لعلم الفلسفة أم جزءٌ منها؟ فيه خلاف.
هل هو علمٌ مستقلٌ بذاته، أم أنه مقدمة لغيره؟
هل هو علمٌ مستقل، أم أنه آلةٌ؟ فيه خلافٌ بينهم.
حينئذٍ إذا كان مقدمةً لعلم الفلسفة، حينئذٍ لا بد فيه شيءٌ من الفلسفة، وهذا لا بد منه .. لا ينفك عنه.
وإذا كان جزءاً من الفلسفة واضح الكلام، لا نحتاج إلى تعليق.
على القولين: أنه مقدمةٌ للفلسفة، جزءٌ من الفلسفة. لا بد وأن يكون فيه شيءٌ من مسائل الفلسفة.
حينئذٍ إذا كان الأمر كذلك فمن أين جاء التخليص؟
نقول: التخليص إنما جاء ليس لكون هذه المسألة فلسفية أو لا، وإنما هل فيها شبهةٌ كفرية أو بدعية، لا يلزم أنها كفر ..
هل فيها شبهةٌ تتعلق بباب المعتقد أو لا؟
حينئذٍ علم الفلسفة على نوعين: منه ما يتعلق بعلم الاعتقاد كالإلهيات وغيرها، وهذا لا شك أنه باطل ولا يوجد في كتب المتأخرين كالإيساغُوجي ونحوه.
وثَم قسمٌ لا يتعلق بالاعتقاد، وإنما بالتفكير والنظر والنفس .. ونحو ذلك، وما يتعلق بالأقيسة والحجج بأنواعها والبراهين.
هذا وإن كان يُطلق عليه في بعضه أنه من مسائل الفلسفة إلا أنه ليس بمحرَّمٍ؛ لأن علم الفلسفة لم يحرِّمه أهل السنة والجماعة لكونه علم فلسفة فقط هكذا لا، نقول: الأصل في العلوم ما هو؟ الإباحة .. الأصل في العلوم الإباحة. هذا الأصل فيها، كما هو الأصل في الأشياء الطيبات ونحوها الأصل فيها الإباحة.
حينئذٍ إذا وُجد فيها أو تعلَّق بها أو تضمنت ما يُخل بالشريعة، أو بباب المعتقد، أو بذات الباري جل وعلا، حينئذٍ مُنعت، وما عداه يبقى على الأصل.
فحينئذٍ ما خلَّصه علماء الإسلام من علوم الفلسفة نقول: خلَّصوه من الشبه التي تتعلق بباب الاعتقاد، حينئذٍ لا يرد الاعتراض على أئمة السنة الذين قالوا بأن هذه كتب كالذي بين يدينا هذا أنه مُخلَّصٌ من علوم الفلسفة.
نقول: أنَّى لنا ذلك .. يَعترض المعترض.
نقول: المراد به أنه خُلِّص من شُبَه الفلاسفة، فليس فيه شيءٌ محرَّم، فمن اعترض على كون المنطق أنه جزءٌ من الفلسفة، أو مقدمةٌ للفلسفة، وأنه يلزم منه التحريم أخطأ؛ لأنه ليس كل علم الفلسفة محرّم.
ولذلك علم الحساب علمٌ فلسفي، علم الهيئة والهندسة علمٌ فلسفي، إذا قلنا الفلسفة بأنواعها السبعة المعلومة –العلوم- أنها محرّمة حرَّمنا جميع هذه العلوم، لكن لا هذا غلط افتراء على الله عز وجل.
فنقول: الفلسفة يُفصَّل فيها، فإذا كان كذلك فلو سُلِّم بأن هذه المسائل التي بين أيدينا من علم الفلسفة فالأصل فيها الإباحة، حتى يثبت أن هذه المسألة تتعلق بذات الباري جل وعلا، وأنها خطأٌ في باب المعتقد، حينئذٍ تُنزع ويُنظر فيها.
إذاً: قوله هنا: وجئنا بتلك الأصول المنطقية خالصة من شوائب الشبه الفلسفية. يعني: ليست خالصة من المسائل الفلسفية؛ لأن المنطق لا يمكن أن ينفك عن الفلسفة، هو مقدمةٌ لها أو أنه جزءٌ منها، وإنما الذي اعتنى به أهل الإسلام هو: تخليص هذه المسائل من الشبه المتعلقة بباب الاعتقاد.
فيها النفع الذي لا يُخالطه ضرر البتة. توكيد هذا، المعنى الذي ذكرتُه.