كما يتوصل بلفظ أي لنداء ما فيه أل ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) [البقرة:104]، ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ)) [البقرة:21] يا الناس هل يصح؟ لا يصح؛ لأنه لا يصح نداء ما فيه أل، فلا بد من وُصلة –توصيلة-: شيءٌ يجوِّز دخول يا على الاسم المحلى بأل، فحينئذٍ جيء بأي قيل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ)) [البقرة:104]، ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ)) [البقرة:21].
حينئذٍ على المشهور أن الناس هو المنادَى، وقيل: أيُّ، وحينئذٍ جيء بأي هنا ليُتوصل بكون "يا" داخلةً على الاسم المنادَى وهو محل بأل.
كذلك ذي: مررت برجلٍ ذي مال، رجل مال لا يصح أن يقع مال نعتاً لرجل، وإنما يتوصل بذي بمعنى صاحب؛ لأن مال هذا اسم جنس، ولذلك يُشترط في ذي التي هي من الأسماء الستة أن تضاف إلى اسم جنسٍ ظاهر غير مُضمر؛ لأن الأصل في المجيء بها ليَتمكن المتكلم من أن يصف ما قبلها بما بعدها؛ لأن الصفات إنما تكون مشتقات.
وَانْعَتْ بِمُشْتَقَ كَصَعْبٍ وَذَرِبْ ... وَشِبْهِهِ كَذَا وَذِيْ وَالمُنْتَسِب
حينئذٍ ما فيه معنى المشتق كذي لأنها تُفسَّر بمعنى صاحب، نقول: جيء بها لأجل أن يُتمَكن من وصف ما قبلها بما بعدها، فلو لم يؤتَ بها لما صحَّ أن يوصف بالمضاف إليه تبعاً لأصلها.
ومعلومٌ أن الموصول مع صلته في قوة المشتق، كما هو القاعدة عند البيانيين.
ولذلك يصح أن يقال في مثل هذا التركيب: الحمدُ لله المانحِ، المانح هذا اسم فاعل يصح أو لا يصح؟ نقول: نعم يصح؛ لأنه من حيث المعنى والمدلول لا فرق بين المانح والذي منح، وإنما يُعدَل عن المانح إلى الذي منح لعدم وروده وجَعْلِه عَلماً على الباري جل وعلا، وهذا بناءً على أنه يصح أن يُخبَر عن الباري جل وعلا بلفظٍ لو لم يَرد في الكتاب والسنة، وأما إذا قُيِّد بأنه لا بد أن يكون وارداً فحينئذٍ لا بد من النظر في كل لفظٍ على حِدة.
فالأصل فيه: الحمد لله المانح، فحُذِف المانح لعدم وروده وجيء بصيغة تدل على الخبرية لا على العلَمية، فقيل: الذي منح.
إذاً القاعدة: أن الموصول (الذي) مع صلته (منح) في قوة المشتق، كيف في قوة المشتق؟
يعني: يصح أن تحذف الموصول مع صلته وتأتي باسم مشتق: اسم فاعل، أو اسم مفعول .. أو نحو ذلك، فيصح المعنى ويستويان من حيث الدلالة.
ومعلومٌ أن الموصول مع صلته في قوة المشتق أي: المانح، ولم يُعبِّر به لعدم وروده؛ لأنه إذا كان كذلك فهو اسمٌ، والأسماء معلومٌ أنها توقيفية، والصفات كذلك توقيفية، وإنما يُتوسع في باب الإخبار.
ولذلك يقال: بابُ الصفات أوسع من باب الأسماء، لماذا؟
لأن الاسم لا بد أن يأتي بلفظه ومعناه في الكتاب والسنة، فلا يؤخذ من الفعل ولا يؤخذ من المصدر.
وأما الصفات فتؤخذ من الأسماء، ويزيد عليها الفعلُ ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) [طه:5]، الاستواء، كذلك المصدر ((وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ)) [المنافقون:8]، ((إِنَّ بَطْشَ)) [البروج:12].