فحينئذٍ نقول: هذه زاد على مدلول الأسماء، فصار باب الصفات أوسع من باب الأسماء، وباب الإخبار أوسع من البابين، لماذا؟ لأنه قد يكون بما جاء في الكتاب والسنة وقد يَزيد عليه بما لم يرد وصح معناه، يزيد عليه بما جاء في الكتاب والسنة، فتقول: الصانع تُخبر عن الله عز وجل بأنه الصانع، من أين الصانع؟ ما جاء اللفظ هكذا الصانع وإنما جاء ((صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)) [النمل:88] فلو قال: الصانع صح أو لا؟ صح، لكنه لا يكون عَلماً وإنما يكون من باب الإخبار.

كذلك لو قال المتقن ((الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)) [النمل:88] فقال: المتقن. صح أو لا؟ صح.

إذا لم يرد في الكتاب والسنة كلفظ القديم، وأراد به معنى الأزلي صح أو لا؟

على اختيار شيخ الإسلام يصح، وكذلك ابن القيم رحمه الله تعالى، لكن في هذا المقام وهذا النوع الأولى أن يقال: بأن التوقُّف هو الأصل؛ لأن الأصل فيما يُطلق على الباري جل وعلا ما جاء به الكتاب والسنة لفظاً ومعنًى.

فما جاء به اللفظ فحينئذٍ لا إشكال فيه ويكون التصرف فيه من حيث القواعد اللغوية كالمستوِي، نزَل، ينزِل، فهو نازل .. إلى آخره.

يكون هذا واردٌ من حيث القواعد اللغوية لا من حيث ما نطق به الشارع.

وأما ما لم يرد كالقديم بمعنى الأزلي نقول: لفظ القديم ما جاء القِدَم في الكتاب والسنة، فالأصل فيه المنع أو التوقف. وأما جواز إطلاقه فهذا يحتاج إلى دليل.

إذاً: (الحمد لله الذي منحَ) لماذا عدل عن المانح إلى الذي المنح؟ لعدم وُروده .. لأنه لم يرد في الكتاب والسنة، والأسماء توقيفية كما أن الصفات توقيفية.

قال: (الذي منح) منح يعني: أعطى، يتعدى لاثنين بنفسه تارة، تقول: منحته درهماً، وتارة يتعدى للثاني بالباء كما عدَّاه الشارح هنا (الذي منح) هو (أحبته) هذا مفعول أول.

قال: (باللطف) هذا مفعولٌ ثاني، عدَّاه بالباء، وهذا واردٌ في لسان العرب.

سمَّيتُه "يعني: ولدي" زيداً، سمّيتُه بزيدٍ يصح أو لا؟ يصح.

"سميتُه" الضمير الأول تام نصبَه بنفسه، أو سميتُ ابني زيداً، فحينئذٍ زيداً بزيدٍ نقول: يجوز فيه الوجهان؛ لأن من الأفعال ما يتعدى إلى اثنين ويجوز أن تدخل الباء على الثاني ومنه منح، منحتُه درهماً وكما قال الشارح هنا وعدَّاه بالباء: (منح أحبته باللطف) يعني منح أحبته اللطفَ، فيجوز فيه الوجهان.

فلا حاجة حينئذٍ لتضمينه معنى خصَّ أو أَكرم، ما دام أن النوع هذا يتعدى بنفسه تارة وبالباء تارة أخرى، فيُحمل على القواعد اللغوية أولى من التضمين.

(الذي منح أحبته) أحبته، قال هنا في الحاشية: جمع حبيب .. فعيل بمعنى محبوب أو مُحِب.

أحبة أصله أفعِلة، أحبِبةٌ أفعِلةٌ، وأفعِلةٌ هذه من أوزان القلَّة.

أَفْعِلَةٌ أَفْعُلُ ثُمَّ فِعْلَهْ ... ثُمَّتَ أَفْعَالٌ جُمُوْعُ قِلَّةْ

وحينئذٍ أحبة نقول: هذا جمعُ قلّة أصله: أَحبِبةٌ، جمعُ حبيب، وحبيب يأتي بمعنى فاعل ويأتي بمعنى مفعول.

لكن على النوعين فاعل ومفعول يأتي على وزن مُحِب أو مُحَب خلاف ما ذكره المحشِّي، مُحِب بكسر الحاء ومُحَب بفتح الحاء، لماذا؟

لأن المشهور في هذه المادة أَحب، ويأتي لغة حَب.

حينئذٍ أحب يُحب فهو مُحِبٌ ومُحَبٌ، وحَب فهو حَابٌ ومحبوبٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015