والصواب أنه يقال: فيه نظر. بمعنى أنه إذا صح الحُكم بكون المنْطِق علماً مباحاً في أصله، حينئذٍ نقول: لا بأس إجراء بعض القواعد المنطقية على الآيات، فنقول: ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)) [آل عمران:185] هذه كُلّيّة لا بأس أن نقول بأنها كُلّيّة، والكُلّيّة بمعنى أنه لا يخرج فردٌ من أفرد الموضوع عن تنزيل الحُكم الذي هو المحمول على كل فردٍ فرد، كما سيأتي في كلام المصنف عن العام.

قال: (وحينئذٍ فالبسملة بعضُ معاني ألفاظها جزئي، ثم مجرد كون المعنى كُلِّيّاً لا يكون موضوع المنْطِق لانتقاء قيد الحيثية المذكور) يعني: من حيث الإيصال. وسيأتي في كلام المصنف ما يتعلق بتعريف المنْطِق وموضوعه وفائدته.

إذاً: ما حشَّى به المحشِّي هنا من النظر فيما يتعلق بالبسملة من جهة كونها جزئيات أو كُلِّيّات، نقول: هذا غير ظاهر المناسبة؛ لأنه لا مناسبة بين المعاني المذكورة وبين فن المنْطِق؛ لأن الموضوع -موضوع فن المنْطِق- إنما هو في معلومٍ تصوري أو تصديقي مقيَّد. ليس مطلقاً.

والنظر هنا إما في جزئي ولا بحث للمنطقي في الجزئيات، أو في كُلِّي لا بهذا القيد، فحينئذٍ خرج عن فن المنْطِق.

قال المصنف رحمه الله تعالى بعد البسملة، وسيأتي لماذا بدأ في كلام صاحب المتن بالبسملة والحمدلة .. ونحو ذلك.

قال: (الحمد لله الذي منح أحبته باللطف والتوفيق، ويسَّر لهم سلوك سبيل التصور والتصديق.

والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمدٍ الهادي إلى سواء الطريق، وعلى آله وصحبه الحائزين للصدق والتحقيق).

هذا ذكَر فيه البسملة والحمدلة، وذكَر كذلك الصلاة والسلام على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وترك الشهادتين.

قد يقال: يُعتذر في مثل هذه أنه قد أتى بهما لفظاً. يعني: لم يَكتب تلك الشهادتين وإنما نَطق بهما.

وقوله: (ويسَّر لهم سلوك سبيل التصور والتصديق).

هذا فيه براعة استهلال، وهو أن يَذكر في المقدمة شيئاً مما يتعلق بالمقصود، والمقصود هنا هو التأليف أو التصنيف في فن المنْطِق، والبحث في التصور والتصديق إنما هو في هذا الفن.

وقوله: (وبعدُ) هذا من المستحبات، وسيأتي بحثه.

(الحمد لله) إذاً ثنّى بعد البسملة بالحملة لما سيأتي ذكره في الشرح، وسيأتي معنى الحمدِ في اللغة والعُرف.

(الحمد لله الذي منح) منح بمعنى أعطى، والذي هنا اسم موصول جاء به ليكون وُصلة، معلومٌ أن القاعدة عند النحاة: أن الجمل بعد المعارف أحوال، وبعد النكرات صفات.

إذاً: إذا جاءت الجملة بعد المعرفة فهي حال، إذا أراد أن يصف بالجملة ويخرجها عن كونها حالاً جاء باسم الموصول؛ ليَتوصل بأن يصف ما قبلها "يعني: الذي" بما بعدها.

لأنه لو قال: الحمد لله منح أحبته، قلنا: منح أحبته الجملة في محل نصب حال، لكنه لم يرد ذلك، وإنما أراد أن يصف ما قبل الذي بما بعده، وفرقٌ بين الوصف والحال.

إذاً: الذي يُتوصل بذكر الموصول إلى وصف المعارف بالجمل؛ لأنه لو لم نأت بالاسم الموصول لكانت الجملة التي هي صلة الموصول حالاً لا نعتاً، وليس هذا المراد ولذلك جاء بالذي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015