وكذلك الشأن في القياس نحفظ الأصل، وهو مجمعٌ على إثباته عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وما وقع من نزاعٍ عند المتأخرين نقف معها ونردها ونفندها، وكذلك المنطق.

حينئذٍ نقول: المنطق الذي خلَّصه أهل الإسلام مما شابه من شُبه الفلاسفة الكفرية ونحوها في قواعده في الجملة صحيحة، لكن استخدمها من استخدمها على وجهٍ منحرف، فحينئذٍ نقول: نردُّ عليهم هذا الاستخدام وهذا الاستعمال، ونبقي الأصل محفوظاً على بابه.

يقول الشيخ الأمين رحمه الله تعالى: ومن المعلوم أن المقدمات التي تتركب منها الأدلة التي يحتج بها كل واحدٍ من المتناظرَين إنما تُوجه الحجة بها منتظمةً على صورة القياس المنطقي.

ومن أجل ذلك كان فنُّ آداب البحث والمناظرة ..

وهذا من العلوم المهجورة -آداب البحث والمناظرة-، لها أصولها، يعني: فنٌ مستقلٌ بنفسه.

ومن أجل ذلك كان فن آداب البحث والمناظرة يتوقف فهمه كما ينبغي على فهم ما لابد منه من فن المنطق؛ لأنَّ توجيه السائل المنعَ على المقدمة الصغرى أو الكبرى مثلاً.

يعني: السائل المعترض، يقول: أمنع المقدمة الصغرى وأمنع المقدمة الكبرى، فإذا كان لا يعرف المقدمة الصغرى من الكبرى فحينئذٍ كيف يتجِّه إليه السؤال؟

أو القدحَ في الدليل بعدم تَكرار الحد الأوسط أو باختلال شرطٍ من شروط الإنتاج ونحو ذلك لا يفهمه (أي: هذا الفن المعتمِد على مثل هذه المسائل) لا يفهمه من لا إلمام له بفن المنطق.

لا بد من فَهم هذا الفن من أجل إتقان فنِّ آداب البحث والمناظرة؛ لأن الاستعمال إنما يكون لهذه المصطلحات وهي غريبة، لأنها مصطلحات.

يعني: لا نرجع إلى المعنى اللغوي (المقدمة الصغرى، والمقدمة الكبرى، والحد الأوسط، والتكرار .. ونحو ذلك) لا نرجع إلى المعاني اللغوية، وإنما ننظر في المعاني الاصطلاحية.

ولا عجب؛ لأن المعاني الاصطلاحية هي المقدَّمة في كل فن، ولذلك نقول: هذا عامٌ وهذا خاص، هذا ناسخ وهذا منسوخ، هذا مقيَّد وهذا مطلق، والإجماع والقياس .. كل هذه اصطلاحات لها معانيها، حقائق عرفية عند أصحابها.

كذلك آدابُ البحث والمناظرة يعتمد على هذا الفن، وهذه الاصطلاحات توجد فيه (مقدمة صغرى امنعها؟ لا، أرتضيها .. نقضٌ للمقدمة الكبرى، الحد الأوسط لم يتكرر .. ) حينئذٍ كيف يجيب؟ بل كيف يقرأ؟

دعك من الدخول في المناظرات، كيف يقرأ ما كتبه المتقدمون؟ كيف يقرأ ما كتبه من كتَب في هذا الفن؟

قال رحمه الله تعالى: وكانت الجامعةُ قد أسندتْ إلينا تدريس فن آداب البحث والمناظرة، وكان لا بد من وضع مذكرةٍ تُمكِّن طلاّب الفن من مقصودهم فوضعنا هذه المذكرة وبدأناها بإيضاح القواعد التي لا بد منها من فن المنطق لآداب البحث والمناظرة.

واقتصرنا فيها على المهم الذي لا بد منه للمناظرة، وجئنا بتلك الأصول المنطقية ..

هذا انتبه له من هذا الإمام الجليل.

وجئنا بتلك الأصول المنطقية خالصة (يعني: غير شائبة، الخلوص والشوب متقابلان) خالصة من شوائب الشُّبه الفلسفية.

انظر هنا النفي إنما هو مسلَّط من أجل أن يفهم طالب العلم ما يذكره أهل العلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015