وهذا الذي يُذكَر في هذا الباب، ثم الفارابي كتُبه قالوا ذهبت احترقت، وجد الآن من كتاب أو كتابين طُبعت.
فجاء الرئيس فأحيا الفتنة وأججها، ذهبت كتب الفارابي فأحياها .. سَن سُنة سيئة، حينئذٍ إذا أُطلق عندهم الشيخ انصرف إلى ابن سينا، وإذا أُطلق الرئيس انصرف إلى ابن سينا، وكثيراً ما يذكرونه باسمه لعله إجلالاً له إنما يقال: قال الرئيس، وهذا ما اختاره الرئيس، قال الشيخ .. إلى آخره.
قال هنا: فتبنى أبو علي حسين بن عبد الله بن علي البخاري المعروف بابن سينا المسمى بالرئيس، فإذا أُطلق الشيخ عند المناطقة هكذا: قال الشيخ فاعلم أنه ابن سينا، وابن سينا أعاد الفتنة فأجج كتب الفارابي فردها كما كانت توفي سنة 428هـ .. إلى آخر ما ذكره.
اسمه كما مر معنا المنْطِق.
ثُمْ اسْمُهُ يَدْعُونَهُ بِالمَنْطِقِ ... وَبِاسْمِ مِعْيَارِ العُلُومِ يَرْتَقِي
الاستمداد من العقل.
قال هنا: (أَوْرَدْنَا فِيهَا مَا يَجِبُ اسْتِحْضَارُهُ لِمَنْ يَبْتَدِئُ فِي شَيءٍ مِنَ الْعُلُومِ).
(أَوْرَدْنَا) أي: ذكرنا.
(فِيهَا) يعني: في هذه الرسالة، هو قال: (فَهذِهِ رِسَالَةٌ فِي فَنِّ المَنْطِقِ) وذكر المصنف الشارح بعض ما يتعلق بمبادئ العلم.
(أَوْرَدْنَا) أي: ذكرنا، والظرفية من ظرفية المدلول في الدال.
(فِيهَا) يعني: في هذه الرسالة.
و (أَوْرَدْنَا) هذه الجملة يحتمل أنها نعت للرسالة.
(مَا يَجِبُ) يعني: معاني.
(مَا) هنا اسم موصول بمعنى الذي يصدق على المعاني.
(يَجِبُ) اصطلاحاً يعني: لا شرعاً وهو كذلك، يجب اصطلاحاً يعني: لا شرعاً.
يعني: بحيث يوبَّخ إذا أخطأ أو لم يأت بها فحينئذٍ يوبَّخ .. يُعاتب، فإذا كان كذلك قالوا: يجب اصطلاحاً.
(اسْتِحْضَارُهُ) هذا فاعل (يَجِبُ).
(يَجِبُ اسْتِحْضَارُهُ) يعني: معرفتُه وملاحظته، والضمير عائد على (مَا).
(لِمَنْ يَبْتَدِئُ) يعني: يشرع.
أي: الشخص الذي أراد أو يبتدئ أو يشرع.
(فِي شَيءٍ مِنَ الْعُلُومِ) هل كل العلوم؟ هو ظاهر كلامه أنه كل العلوم، جميع العلوم حتى العقيدة، يجب وجوباً أن يشرع في فن المنْطِق (لِمَنْ يَبْتَدِئُ فِي شَيءٍ مِنَ الْعُلُومِ).
حينئذٍ "أل" هنا للاستغراق يعني: كل علم سواءٌ كان عقيدة أو غيره من الفنون.
ولكن بعضهم ذهب إلى أن المراد بأل هنا العهدية، والمراد بالعلوم هنا العلوم الحِكمية يعني: الحِكمة، إذا أراد الحِكمة فلا بد أن يُقدِّم، لكن هذا ليس هو، هذا مسلك العطَّار هكذا، وبَّخ من حمل "أل" هنا للاستغراق وقال: هذا غلط في الفهم، وإنما المراد بها العلوم الحِكمية، لكن هذا ليس بوارد.
لأن المصنف وصاحب الأصل ومن كتب من المتأخرين في المنْطِق إنما أرادوا ما يُستعمل في العلوم الشرعية، لم يريدوا بها علوم الحِكمة؛ لأن الأصل فيها قالوا التحريم، والخلاف الوارد إنما هو في تلك لا في هذا النوع. حينئذٍ كيف يُصرف العلوم هنا إلى الحكمة؟ هذا فيه شيءٌ من البُعد.
نحن ما نحمله على المتن، لو حملناه على المتن أشياء كثيرة خرجت، لكن باعتبار الشرح، باعتبار الشرح نقول: لا، مراد المصنف هنا إنما شرح ما يسلكه صاحب الأصل فيما يخدم الشريعة، ليس على العموم.