كذلك القواعد المنطقية عند مراعاتها في التفكير ونحوه، أو النظر فيما كتبه أهل العلم من حيث تطبيق القواعد قد يتعب أولاً ثم بعد ذلك يستريح.

(تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ) قال في الحاشية: فصلٌ مخرجٌ ما عدا المنْطِقَ.

ومعنى تعصم: تحفظ.

مراعاتها: إشارة إلى أن نفس المنْطِق لا يعصم الذهن عن الخطأ، وإلا لم يقع من منطقي خطأٌ أصلاً، واللازم باطل.

فكثيراً ما أخطأ من لم يراعِ المنْطِق وهو عالمٌ به وحافظٌ لقواعده.

قوله: (الذهن) أي: القوَّة المهيئِة للنفس لمعرفة المجهولات التصورية والتصديقية.

قال: (وموضوعُه المعلومات التصورية والتصديقية).

وهذا فيه شيءٌ من الخلل؛ لأن موضوع المعلومات التصورية والتصديقية فقط هكذا لا، هي مقيَّدة: من حيث صحة إيصالها إلى مجهولٍ تصوري أو تصديقي، لا بد من زيادة هذا القيد.

(المعلومات التصورية والتصديقية) زِد عليه: من حيث إنها توصل إلى المجهول، أو يكون لها نفعٌ في ذلك الإيصال.

(فن المنْطِق يبحث عن صحة الإيصال لا مطلق الإيصال) مطلق الإيصال بأي استعمال استعملتَ القياس وصلت "هذا مطلق إيصال"، سواءٌ استعملت المنْطِق على الوجه الصحيح أو على الوجه الخطأ بقطع النظر عن النتيجة صائبة أم خاطئة.

حينئذٍ نقول: هذا مطلق إيصال. وليس هذا المراد، وإنما المراد صحة الإيصال ليس مطلق الإيصال، يعني: أن تصل تركِّب هكذا من عندك لا، وإنما صحة الإيصال. إذاً: هذا قيدٌ لا بد منه.

قال: (فن المنْطِق يبحث عن صحة الإيصال لا مطلق الإيصال).

(لأن الخطأ في الفكر هو وصولٌ) من أخطأ في الفكر كذلك وَصَل، رتَّب مقدِّمات ظن أنها موصلة، حينئذٍ وصل، لكن وصل بصحة أو خطأ؟ خطأ، والمنْطِق لا يبحث عن هذا، وإنما يبحث عن صحة الإيصال لا مطلق الإيصال، فإن من ركَّب تركيبات أوصلته إلى خطأ في النتيجة ولو ظن صحتها وأخطأ في النتيجة، المنْطِق لا يبحث عن هذا، وإنما يبحث عن صحة الإيصال بحيث أنه يلزم من ترتيب هذه المقدمات هذه النتيجة الصحيحة، فإن أخطأتَ فحينئذٍ نقول: لم تستعمِل القواعد المنطقية على وجهها الصحيح فقد أخطأتَ في الاستعمال.

(لأن الخطأ في الفكر هو وصولٌ) لكنه وصولٌ من جهة ترتيبٍ لمقدِّمات لم تقع على الوضع السليم، حينئذٍ هو وصولٌ، احترازاً من هذا نقول: موضوع فن المنْطِق المعلومات التصورية والتصديقية من حيث صحة الوصول إلى مجهول تصوري أو تصديقي.

والذي يُوصل إلى المجهول التصوري هو المعرِّفات، وليس له طريق إلا هذا عن المناطقة، والذي يوصل إلى المجهول التصديقي هو الأقيسة والبرهان. وليس لهم إلا هذا الطريق فقط.

قال هنا: (وفائدته الاحتراز عن الخطأ) هذا واضع من التعريفات السابقة.

(وفائدته الاحتراز عن الخطأ في الفكر).

فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ عَنْ غَيِّ الخَطَا ... وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ يَكْشِفُ الغِطَا

نزيد بعض المواضع، قال: (وفضلُه) هل له فضلٌ أم لا؟

يقولون -وأنا حاكي-: (كونه عام النفع تتوقف عليه سائر العلوم) هذا فيه شيءٌ من الغلو، لذلك سمَّاه الغزالي معيار العلوم يعني: الميزان الذي يُعرف به صحيح العلم من فاسده هو فن المنْطِق. وهذا لا يُسلَّم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015