عندنا فاعل وهو النجار، وعندنا منفعل وهو الخشب نفسُه والآلة، إذاً: الآلة التي هي المنشار واسطة بين الفاعل وبين المنفعل الذي يَقبل، والمراد بالمنفعل هنا المراد به: معنى المطاوعة وهو ما يقبل الأثر، كما تقول: كسرتُ الزجاج بالحجر فانكسر الزجاجُ يعني: قَبِل الانكسار "رحَّب به" لكن بواسطة الحجر. فكلما كان الحجر حجراً كان الانكسار مقبولاً.
قال هنا: كالمنشار للنجار، ومعنى المنفعل هو معنى المطاوعة وهو ما يقبل الأثر، والفاعل هو الذي أحدث الحدث، والمنفعل هو الذي قبل الأثر كالزجاج بالنسبة للانكسار.
وعلم المنْطِق كيف يكون واسطة؟
يكون واسطة بين النفس العاقلة وبين المجهولات .. المطالب الكسبية، هذه القواعد واسطة، كما أن النجار يأتي إلى المنشار فيمسك، لا بد أن تكون المسكة لها طريقة ليس يمسك أي مسكة لا، لا بد أن يكون ماسكاً بطريقته المعروفة عنده، حينئذٍ صار المنشار واسطةً بين الفاعل وبين المنفعل.
طيب المنْطِق: قواعد وأصول، يكون واسطة بين النفس العاقلة وبين المجهولات، حينئذٍ لا بد للماسك أن يكون ماسكاً.
قال: وعلم المنْطِق كيف يكون واسطة؟ نقول: يكون واسطةً بين النفس العاقلة التي هي محلٌ للتفكير وبين المطالب الكسبية وهي الأمور المجهولة التصورية والتصديقية، التي نريد أن نصل إلى العلم بها، والنفس هي محل صدور الإدراكات، وتلك المجهولات نريد أن نصل إليها ونخرجَها إلى المعلومات.
والواسطة في ذلك هو فن المنْطِق، قواعد وأصول وقوانين تُطبَّق "يعني: تطبقها النفس" لتصل إلى إخراج هذا الأمر المجهول التصوري أو التصديقي من الجهل إلى العلم.
إذاً: لماذا سُمّي المنْطِق آلة؟ لأنه واسطةٌ بين النفس العاقلة وبين المطالب الكسبية.
آلةٌ قانونية؛ نسبةً إلى القانون، والقانون المراد به القاعدة، هو لفظٌ يوناني، لكن المراد به هنا القانون القاعدة والضابط والأصل هذه ألفاظ في الاصطلاح مترادفة، تصدق على شيءٍ واحد وهو قضيةٌ كليّة يُتعرَّف بها أحكام جزئيات موضوعها ..
(قضية) يعني: مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل.
(كليّةٌ) يعني: ليست جزئية.
(يُتعرّف بها) يعني: بواسطتها، (أحكام جزئيات موضوعها)، وهذا شأن القواعد كما هو معلوم.
إذا قلت: الفاعل مرفوع "كمثال" هذه قضية مبتدأ وخبر، الفاعل مرفوع.
كُلّيّة لأنها غير مختصة يعني: ليس مختصة بزيد أو عمرو أو بكر لا، وإنما الفاعل كل من أحدث فعلاً.
(يُتعرَّف بها أحكام جزئيات موضوعها) يعني: بواسطة هذه القضية الكُلّيّة إذا جعلناها مقدمة كبرى في قياسٍ مقدمتُه الصغرى الفرد الخاص، فإذا قلت: خالد أو زيد .. زيدٌ من الناس.
زيدٌ من قولك: جاء زيدٌ فاعل، هذه مقدمة صغرى هكذا التركيب: زيدٌ من قولك جاء زيدٌ فاعلٌ. كيف نثبت بأن زيداً من قولنا جاء زيدٌ فاعل؟ هذا يحتاج إلى دليل.
ما دليل المقدمة الصغرى؟ حدُّ الفاعل، تعريف الفاعل ينطبق عليه أو لا؟ تقول: جاء زيدٌ، زيدٌ اسم مرفوعٌ بعد الفعل، اختصاراً.
حينئذٍ نقول: إذاً زيدٌ من قولنا: جاء زيدٌ فاعل؛ لأنه ينطبق عليه حد الفاعل .. صدق عليه.
إذاً: دخل في حد الفاعل، إذاً: زيدٌ من قولنا جاء زيدٌ فاعل. هذا دليلها.
وكل فاعلٍ مرفوع أو الفاعل مرفوع.