ولكن هذه المؤلفات الصغيرة كالورقات، والآجرومية، والرحبية، والرسالة التي معنا .. هذه من يعتني بها عناية فائقة، يستحضرها استحضاراً. هذا ينطلق في العلم انطلاق كبير جداً، بخلاف الموجود الآن، يريدون العكس: فتح الباري، والمطولات، والألفية قبل أن يتقن الآجرومية، ويستعجل الآجرومية ومباشرة الألفية، لا بد من واسطة أو لا. على كلٍ تشويش .. الذهن مشوش عندهم.
فأقول: هذه الرسائل وإن صغُرت لكنها عظيمة لما اشتملت عليه من المسائل، فيحتاج الطالب أن يقرأها مرة ومرتين وثلاث وأربع .. حتى يضبطها حفظاً وفهماً، الفهم ليس بالهيّن.
يعني: لا يظن الظان أنك الآن تسمع هذا الكلام تفهمه مباشرة وانتهيت لا، بعض الفهوم تحتاج إلى تدرج يعني: قد تفهم فهماً عاماً ابتداءً، لكن الفهم العميق والغوص في المعاني هذا ما يأتيك، كمبتدئ تحلم إذا أردت أن تفهم كالمتكلم.
يعني: كتاب درسه المعلِّم قبل ثلاثين سنة ويعيده ويكرره تأتي أنت أول مرة تجلس وتريد تفهم مثله؟ يعني: لو نظرنا بمسألة عقلية هكذا صحيح؟ يعني: يدرس الآجرومية ويدرّسها عشرات السنين ثم تأتي أنت مباشرة ورِجل على رِجل وتريد .. ما فهمت الدرس، فيغضب ويمشي إلى آخره، أو يتكلم، هذا خطأ هذا غفلة.
لا يمكن أنك تفهم ابتداءً من أول مرَّة كفهم المتكلم، فهم المتكلم هذا طبَخ واحترق عنده. فمع السنين، ومع النظر، ومع التدريس، ومع التأليف، ومع الكتابة والإعادة، والنظر والمراجعة، والسؤال والنقاش نضجت المعلومات، ما تأتي هكذا في يوم وليلة.
فهذه الرسائل انتبهوا لا تزهدوا فيها يا إخوة، وأكثر ما ضيّع الطلاب الآن هو هذا: العزوف عن الرسائل، ما يريد ورقات يريد مراقي وكوكب .. مباشرة، ما فيه بأس صحيح. الهمّة لا بد أن تكون متعلقة بمعالي الأمور.
لكن هناك سلَّم، هناك طريقة لأهل العلم لا يمكن أن يصلوا إلى هذه المطوَّلات إلا بعد إتقان، لو نظرت في أول الحاشية التي بين يديك يقول: كتبتها للمبتدئين، وأنا كنت أريد أن أعلِّق عليها لكن الوقت.
كتبتها للمبتدئين، هذه الحاشية للمبتدئين، ونحن تركنا كل الحاشية، أحاول أني ما أطالع حتى لا أقرأ؛ لأن فيها تشتيت، المبتدئون السابقون يختلفون عن المبتدئين الحاضرين، بل لعل المتصدِّرين الآن كالمبتدئين السابقين، ما هو بعيد؛ لأنك تجد الآن بعض المتون المختصرات تُشرَح بشروح مطولات.
يعني: لو وجدت مثلاً الورقات. العبَّادي شرحها في مجلدين وحققها أربعة.
كذلك حاشية النفحات للجاوَى من أصعب ما يُقرأ، ومع ذلك تعتبر للمبتدئين.
حواشي إيساغوجي الموجود: العطَّار والذي معنا، هذا يُعتبر للمبتدئين؛ لأن المبتدئ في السابق ليس كالمبتدئ الحاضر، كان يترقى في دراسة المتن مرة ومرتين، وشرح وشرحين .. ثم إذا قرأ الحواشي هذه من أسهل ما يكون عنده، فإذا وصل إلى المطولات من أسهل ما يكون عنده.