دلالة الاقتران ضعيفة في الأصل، لكن قد يحتف بها قرينة فيُعمل بها كما إذا وقع على المقترِنين خبر موحَّد .. إذا جمعت بين متعاطفات وحكمت عليها بخبر واحد، الأصل فيها دلالة الاقتران معتبرة، ولذلك ((إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ)) [المائدة:90] رجسٌ هذا خبر الخمر، وما عُطف عليه داخلٌ تحته.
الأصل في مقتضى اللغة وكذلك في الشرع أنه إذا حُكم على متعددٍ بحكمٍ واحد الأصل فيه الاستواء.
على كلٍ المراد هنا: التنبيه إلى أن دلالة الاقتران لا تؤخذ من هذا النص ((صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا)) [الأحزاب:56] فيقال بكراهة إفراد أحدهما على الآخر؛ لأن دلالة الاقتران ضعيفة في الجملة "يعني: في الأصل" وقد يحتف بها قرينة فيُعمل بها، وذلك فيما إذا حُكم على المقترِنات بحكمٍ واحد.
قال: (والتقدير: مهما يكن من شيءٍ بعد البسملة وما بعدها).
(فَهذِهِ) اسم الإشارة هنا قال: (المؤلفة الحاضرة ذهناً) يعني: الألفاظ الذهنية.
وإذا كان كذلك فحينئذٍ اسم الإشارة يكون مجازاً؛ لاستعماله في المعقول، والأصل أن يُستعمل في المحسوس، نقول: هذا زيدٌ، هذا الأصل في وضع الإشارة. يعني: لا يُستعمل في المعقولات، فإن استُعمل في المعقولات حينئذٍ نقول: هذا من قبيل المجاز.
(فَهذِهِ) (المؤلفة الحاضرة ذهناً، إن أُلِّفت بعد الخطبة، وخارجاً أيضاً) أي: كما أنها موجودة ذهناً فاسم الإشارة حقيقة حينئذٍ إن أُلِّفت قبلها.
هذا في التفصيل على المشهور.
والصحيح: أن المشار إليه ما في الذهن مطلقاً تقدَّمت الديباجة أو تأخرت؛ إذ لا حضور للألفاظ المرتبة ولا لمعانيها في الخارج.
إذا قيل: وجود ذهني ليس المراد أن هذه الألفاظ موجودة بذاتها في الذهن، وإنما المراد بها الملاحظة والاعتبار.
فالوجود الذهني عند بعض الحكماء: أنه يوجد لكل شيء مرسوم في الذهن "محسوس" وليس الأمر كذلك، وإنما المراد به: معانٍ قامت بالذهن -يعني: في الذهن- والمراد الملاحظة.
وإذا كان كذلك فلا إشكال في تسميته وجوداً ذهنياً.
قال: (فَهذِهِ رِسَالَةٌ) مبتدأ وخبر.
(رِسَالَةٌ) بكسر الراء مشتقةٌ من الرَسْلِ بفتح الراء وسكون السين، وهو الانبعاث على تُؤدَة يقال: ناقتٌ رَسْلٌ أي: سهلة السير.
(ففيه إشارة واضحةٌ إلى سهولة هذا المؤلَّف وقلّته كماً وإن عظُم كيفاً) لأن الرسالة في عُرف أصحاب التدوين: اسمٌ لأوراقٍ قليلة تحتوي على مسائل من العلم، لكنها من أنفس ما يُصنَّف في العلم، ومن أشد ما يزهد فيه طلاب العلم الآن ..
الرسائل المختصرات هذه من أنفس ما يُعتنى به؛ لأنها تشتمل على جمهور المسائل العلمية التي يكثر استعمالها. يعني: لو نظرت في الآجرومية أكثر ما يحتاجه الناطق المتكلم مما يتكلم به الكثير: مبتدأ وخبر وفعل وفاعل، ومتعلَّقات الجميع. تجدها كلها مفصَّلة في الآجرومية
وما قلَّ كالتنازع والاشتغال ما تجده؛ لأن التنازع قد يبقى الإنسان أيام هذا إن درى أنه قد تنازع عنده فعلان أو أكثر، حينئذٍ نقول: هذا قليل. فلا يحتاجه الإنسان.