قال: (يؤتى بها) يعني: بلفظ (أَمَّا بَعْدُ) وهي السنة، وإن اشتهر: (وَبَعْدُ).
وهي سنة يعني: مستحبة عند المصنفين، وهي سنة كذلك نُقل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(للانتقال من أسلوبٍ إلى آخر) يعني: من أسلوب المقدمة إلى أسلوب الشروع في المقصود، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي بها في خُطبه يعني: على ما هي عليه (أَمَّا بَعْدُ) فصارت سنّة من جهتين: شرعية وسنّة اصطلاحية.
قال: (والتقدير: مهما يكن من شيءٍ بعد البسملة وما بعدها).
(أَمَّا) هذا حرف شرطٍ وتفصيل، لكن التفصيل ليس لازماً لها في جميع أحوالها واستعمالاتِها، فهي هنا لمجرد التأكيد وهو تحقُّق وجود ما بعد الفاء لا محالة؛ لأنه عُلِّق على محقق الوقوع سواء جُعل بَعْدُ من متعلقات الشرط أو الجزاء، هذا أمّا، وهي ضُمِّنت معنى الشرط. ولذلك لزمها الفاء في الجواب.
(أَمَّا بَعْدُ. فَهذِهِ) الفاء هذه واقعة في جواب الشرط، أين الشرط؟
نقول: أمَّا مضمنة معنى الشرط؛ لأنها نائبةٌ عن: (مهما يكن من شيء) مهما، يكن، من شيء. هذه ثلاثة أشياء.
حُذِفت مهما، مهما هذا اسم شرط، وحُذف فعل الشرط، وحُذف ما تعلَّق به وهو قوله: من شيء.
وأُنيبت أمَّا مُنابها، ولذلك قال ابن مالك: أَمَّا كَمَهْمَا. أما مثل مهما ليست مثلها في الاسمية، أمّا هذا حرفٌ باتفاق، ومهما فيه خلاف والصحيح أنه اسم.
إذاً: أَمَّا كَمَهْمَا يعني: مثلها في الشرط.
قال هنا: (والتقدير: مهما يكن من شيءٍ بعد البسملة وما بعدها) من الصلاة، والسلام .. ونحو ذلك.
(فَهذِهِ) الفاء واقعة في جواب الشرط.
هنا المصنّف فيما مضى -ما نبّهنا عليه- قال: نصلي ولم نقل ونسلّم، والمشهور عند كثير من المتأخرين أن إفراد الصلاة عن السلام مكروه والعكس بالعكس، فهل وقع في المكروه؟ نقول: الجواب: لا؛ لأن الصحيح أنه لا يُكرَه إفراد الصلاة عن السلام، يصح أن نقول: صَلَّى اللَّهُ على محمد. يصح وبدون كراهة، ولا إشكال فيه.
ويصح أن نقول: سلَّم الله على محمد، سلّم تسليماً. لا إشكال فيه، لا نقول بالكراهة.
وأما ((صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا)) [الأحزاب:56] نقول: هنا جمع بين أمرين، كما قال: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)) [النور:56] فالمراد هنا المقارنة في الذكر كما قال: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)) [النور:56] الواو دلَّت على المقارنة في الذكر يعني: ذُكِرا معاً.
كذلك ((صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا)) [الأحزاب:56] يعني: اجمع بين الأمرين.
ولا تعرُّض هنا لكراهة ولا غيرها، إن جَمع بينهما لا شك أنه كمال الامتثال، لو ترك أحدهما حينئذٍ نقول: لا إشكال فيه ولا نقول بالكراهة؛ لأن الكراهة هذه نهيٌ خاص. أين دليل النهي؟ من أين أخذتَه؟
إن أخذه من الجمع من الواو نقول: هذه دلالة اقتران، ودلالة الاقتران في الأصل أنها ضعيفة، لكن ليس مطلقاً.