هذا لا يدل على جهل أو نقص في العلم، بل الرجوع يدل على كمال العِلم؛ لأن العِلم المراد به العِلم النافع الذي يُوجِب العملَ الصالح، وأما العلم مجرد المسائل وإدراكُها، والتبجُّح بذكرها وأدلتها دون عمل، هذا عليك لا لك، ولا يكون عِلماً نافعاً.
ولذلك شاعتْ هذه الأمور حتى في زماننا. يعني: حُبُّ الغلبة وعدم الاعتراف بالحق، ولو ظاهر أن هذا القول هو الصحيح أو أنه الحق، لكنه لا يريد أن يَرجع أمام الناس، ويرى أنه عيب ونقْص، وماذا يقولون؟ لعلَّه نقصٌ في العِلم، أو أنه ما تأمَّل، أو ما قرأ، أو نقصٌ في الاطلاع .. كل هذه تجعلُه تحت قدميك؛ لأنَّ هذه من حُظوظ النَّفْس، والنَّفْس إذا لم تضْعَها تحت قدميك لن تنجُو.
قال هنا: (والغلطُ إما من جهة الصورة) الغلط مبتدأ.
(إما من جهة الصورة. كقولنا: في صورةِ فرسٍ منقوشةٍ على جدارٍ أو غيرِه: هذه فرس، وكل فرسٍ صهَّال، يُنتِج هذه الصورة صَهَّالة) هذا كذِب. يعني: يرسِم صورة ثم يقول: هذا فرس "صورة فرس"، ثم يقول: وكل فرسٍ صهّال إذاً: هذا صهّال.
إذاً: تركيب المادة هنا .. التأليف غلط (وسبب الغلط فيه اشتباه الفرس المجازي) قوله: هذا فرس، هو ليس حقيقة؛ هذه صورة فرس ليس فرساً.
(وسبب الغلط فيه اشتباهُ الفرس المجازي الذي هو محمولُ الصُّغرى) هذه فرس (بالحقيقي الذي هو موضوع الكبرى) اختلفا، ولذلك قال هنا: من جهة الصورة أي: عدم شرط الإنتاج. ككون صغرى الشكل الأول سالبة أو كبراه جزئية، أو عدم تكرُّر الحد الأوسط فيه.
أي: وأما من جهة المادة بأن تكون المقدمتان أو إحداهما كاذبة شبيهةً بالحق.
قال هنا: (إما من جهة الصورة، وإما من جهة المعنى. كقولنا: كل إنسانٍ وفرسٍ إنسانٌ) حكم على جزئين: كل إنسانٍ وفرسٍ -معطوف على إنسان .. مضاف إلى كل- إنسان.
هذه شبيهة بالقضية الصادقة. نحو: كلُّ حيوانٍ ناطقٍ حيوانٌ. صحيح؟
"كل إنسان حيوان" إنسان ضع مكانه تعرِيفَه: كل حيوانٍ ناطقٍ حيوان، التي هي أَوَّلِيَّة؛ لأن كل من تَصور الكل والجزء جزم بأن الجزء لازمٌ لكله، فموضوع كلٍ من القضيتين كلٌ وله أجزاء.
إذاً: بعض الأجزاء قد تصدُق وبعض الأجزاء قد لا تصدق.
قوله: "كل إنسانٍ وفرس إنسان" غلَط؛ لأنه حَكَم بإنسان -بمفهومه على جزئين مختلفين بينهما تفاوت، "وكل إنسانٍ وفرسٍ فرسٌ" مثلُها، يُنتج: بعض الإنسان فرس.
أي: لأنَّ المثال المذكور من الشكل الثالث .. إلى آخره.
قال هنا: (وسبب الغلط فيه: أن موضوع المقدمتين -إنسان وفرس- فيهما غير موجود؛ إذ ليس لنا موجودٌ يصدُق عليه أنه إنسانٌ وفرس، وهو إنسان.
وكقولنا: كل إنسانٍ بشر، وكل بشر ضحَّاك يُنتِج: كل إنسانٍ ضحَّاك.
وسبب الغلط فيه: ما فيه من المصادرة على المطلوب أي: جَعْلِ الأوسط نفسَ الأصغر) كل إنسانٍ بشر وكل بشرٍ ضحاك، كل إنسانٍ بشر ما الفرق بين إنسان وبشر؟ هوَ هُو .. عينُه.
إذاً: المصادر على المطلوب (سببُ الغلط فيه: ما فيه من المصادرة على المطلوب) ما هو المطلوب؟ النتيجة.
قال هنا: (أي: جعلُ الأوسطِ نفس الأصغر كمثال الشارح).
أين الأوسط؟ بشَر، أين الأصغر الذي هو موضوع النتيجة؟ إنسان، هو عينُه، لم يتغايرا.