(لِما مر في تعريف القياس أن النتيجة يجب أن تكون قولاً آخر، وهي هنا ليست كذلك، بل هي عينُ إحدى المقدمتين لمُرادَفةِ الإنسان للبشر) لا فرْق بينهما.

قال: (ومن غير اليقينيات الاستقراءُ الناقص) تقدَّم أنه والتمثيل خرجا من تعريف القياس بقوله: لزم عنه لذاتها قولٌ الآخر.

ومثال الاستقراء الناقص: كل حيوانٍ إما إنسان، أو فرس، أو حمار.

وكل إنسانٍ يحرِّك فكَّه الأسفل عند مضغه، وكل فرسٍ كذلك، وكل حمارٍ كذلك، فكل حيوانٍ كذلك، وهي كاذبة لكذب الصغرى؛ لأن الحيوان ليس محصوراً في المذكورات، قولُه: الحيوان إما إنسان أو فرس أو حمار فقط، ما صح هذا، هذه كاذبة.

(فقد يكون من أفراده الخارجة عنها ما ليس كذلك، لا سيما وقد ذكروا أن التِّمساح يحرِّك فكَّه الأعلى عند مضغه.

واحترز بالناقص عن التام؛ فإنه من اليقينيات. نحو: كل كلمة إما اسمٌ أو فعلٌ أو حرف، وكلٌ منها قولٌ مفرد فهي قولٌ مفرد).

قال: (الاستقراء الناقص وهو) أي: الاستقراء الناقص.

(حُكمٌ على كُلِّيٍّ لوُجُوده في أكثر أجزائه) أكثر أجزائه هذا احترازاً عن التام، لو قال: في جميع أجزائه لصار تاماً، والتام من اليقينيات وهو أراد غير اليقينيات.

قال: (حُكمٌ على كُلِّيٍّ لوجودِه) أي: الحُكم (في أكثر جزئياته).

قال السعد: وفي تفسيرهم تسامح ظاهر؛ لأن الاستقراء حُجةٌ مُوصلةٌ إلى التصديق الذي هو الحُكم الكُلِّيّ، فإثبات الحكم الكُلِّيّ هو المطلوب وليس هو الاستقراء.

الاستقراء قال: (هو حُكمٌ) لكن ليس هو الحكم، الاستقراء هو البحث والنظر .. التصفُّح. هذا هو الاستقراء، قد يكون تاماً وقد يكون ناقصاً.

يُنتِج حُكماً وليس الاستقراء هو الحكم، ولذلك قال: هذا فيه تسامح ظاهر.

قال السعد: وفي تفسيرهم تسامح ظاهر؛ لأن الاستقراء حجةٌ موصِلةٌ إلى التصديق) هو يوصل إلى الحكم وليس هو عين الحكم (الذي هو الحكم الكُلِّيّ، فإثبات الحكم الكُلِّيّ هو المطلوب من الاستقراء لا نفْسُه، فكأنهم أرادوا أن إثبات المطلوب بالاستقراء هو إثبات حُكْمٍ كُلِّيٍّ لوجوده في أكثر الجزئيات.

والصحيح في تفسيره ما ذكرَه الإمام حجةُ الإسلام الغزالي، وهو: أنه عبارةٌ عن تصفُّحِ أمورٌ جزئية. هذا جيد.

تصفُّح أمورٍ جزئية ليُحكَم بحكمها على أمرٍ مشتملٍ على تلك الجزئيات وهو الموافق لكلام أبي نصر الفارابي من أنه عبارة عن تصفُّح شيءٍ من الجزئيات الداخل تحت أمرٍ كلي لتصحيح حكمٍ ما حُكِم به على ذلك الأمر بإيجابٍ أو سلبٍ.

قال: (فتَصَفُّحُنا جزئياتِ الداخل تحت أمر كلي لِطلبِ الحُكم فيه في واحدٍ هو الاستقراء) التصفح هو الاستقراء (فيُنتج الحكم وليس الحكم هو عين الاستقراء.

وإيجابُ الحُكم بذلك الأمر الكُلِّيّ أو سلْبُه عنه هو نتيجةُ الاستقراء، سمّي بذلك لأن المستقري يستتْبِع الجزئيات، جزئياً فجزئياً ليحصُل المطلوب، تقول: استقرأتُ البلاد إذا تتبعتَها قريةً فقرية من أرضٍ إلى أرض).

إذاً: حُكمٌ على كلي لوجودِه أي: الحُكم في أكثر جزئياته، قلنا: هذا فيه نظر، بل هو تسمُّحٌ، والأصح أن يقال: تصفّحٌ .. إلى آخر ما ذكره الغزالي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015