قال السعد: المفيد للتصديق الجازم غير الحق هو السفسطة، وللتصديق الجازم الذي لا يُعتبر فيه كونُه حقاً أو غير حق، بل عموم الاعتراف هو المُشاغبة، وهما تحت قسمٍ واحد وهي المغالَطة.
قال: (ولها أنواعٌ بحسب مُستعمِلها، وما يستعملها فيه.
فمن أوهم بذلك. أي: المذكور من الشبيه بالحق: ما مضى .. المقدِّمات.
(فمن أوهم بذلك العوام أنه حكيم يعني: عالمٌ بالحِكمة الطبيعية والإلهية.
(مستنبطٌ للبراهين يسمى سُفسطائياً أي: منسوباً للسُفسطاء وهي: الحِكمة المُمَوِّهَة والعِلمُ المُزَخْرَف؛ لأن معنى سُوف: العِلم، ومعنى سطا: مزخرف وباطل وغَلطٌ).
قال: (ومن نصَب نفسَه للجدال وخِداع أهل التحقيق، والتشويش عليهم بذلك يسمى مشاغباً مهيِّجاً للشر ممارياً) أي: مجادلاً.
(ومنها نوعٌ يستعمله الجهَلة وهو: أن يَغيض أحدُ الخصمين الآخر بكلامٍ يُشغِل فِكرَه ويغضبه كأنْ يسُبَّه أو يعيبَ كلامَه أو يُظهرَ له عيباً يعرِفُه فيه) يعني: خارج عنه: كُنتَ وكنتَ.
(أو يقطع كلامه، أو يغلب عليه بعبارة غير مألوفة، أو يخرج به عن محل النزاع .. ) هذا كله مغالطة.
(ويسمى هذا النوع المغالطة الخارجية؛ لكونها بأجنبيٍ خارجٍ عن المتكلَّم فيه) إذا تكلَّم في موضوع يسبُّه، يتكلم في موضوع أَخْذ وعطاء في إثبات الأدلة، ومن أنت؟ وكيف تعترض؟ .. إلى آخره، كل هذا خروجٌ عن المقصود.
(وهو مع أنه أقبحُ أنواع المغالطة لقصدِ فاعلِه إيذاءَ خصْمه، وإيهامِ العوام أنه قَهَره وأسكتَه، أكثرُ استعمالاً في زماننا؛ لعدم معرفة غالب أهله بالقوانين ومحبتِهم الغلبة، وعدم اعترافِهم بالحق) نعم هذا يُنتبه له، حتى طلاب العلم، إذا أراد أن يناقش مسألة لا بد أن يستحضر في قلبه أنه لا يريد إلا الحق، لا يريد إفحام من هو أمامه ولو كان لا يُحبه أو يبغضُه أو يكرهه؛ لأنَّ الحق هنا ليس مناطاً أو مُعلَّقاً بالأشخاص، وإنما مردُّه إلى الكتاب والسنة.
ولذلك ابن القيم له كلمة جميلة جداً في مدارج السالكين، يقول -يقرِّب مسألة وهي-: أنَّ الحق لا يجوز ردُّه، وأن الحكمة ضالة المؤمن ولو نطق بها كافِر.
نقول: لماذا؟ ما العِلَّة هنا؟
يقول: لأنه ما من حقٍ في السماء والأرض إلا وهو أَثَرٌ من آثار اسم الله الحق، فإذا ردَدْتَه رَدَدْتَ على الله تعالى.
ولذلك الإنسان يوطِّن نفسه، أنه ما يسمع قولاً وتظهر عليه أدلة الحق إلا ويُسرِع إليه، ولو كان هو يعتقد، أو أنه يجادل أو يناظر في قول، فتبين له خلافُه يرجع مباشرة؛ الرجوع للحق فضيلة وليس بعلامة جهل. ولذلك من الأمور المكتسَبة عند الناس هنا: أن الشخص إذا رجع عن قوله، أو تبيّن له غلطُه أنه نوع نقص، وأنه يدل على عدم ضبطٍ للعِلم لا، ليس كذلك.
الإمام أحمد وهو إمام له قولان وثلاثة وأربعة، يقول في عامٍ قولاً، ثم في عامٍ آخر .. وما أدراك لعلَّه بعده بأيام رجَع عن قوله، وكذلك الإمام أبو حنيفة والصحابة .. ابن عباس كم من مسألة له قولان، عمر له قولان!