إذا شارك حينئذٍ لا يمكن نفيه، ونفيه حينئذٍ يكون مكابرة، لو لمس النار قال: ليست محرقة، فحينئذٍ نقول: يكون هذا من باب المكابرة.

إذاً قال: (فإن كان الحس ظاهراً فتسمى حسيّات) (كَقَوْلِنَا: الشَّمْسُ مُشْرِقَةٌ وَالنَّارُ مُحْرِقَةٌ).

(وإن كان باطناً فوُجدانيات كقولنا: إن لنا جوعاً وغضباً).

إذاً: النوع الأول: أَوَّلِيَّات هذه قضايا يحكُم فيها العقل بمجرد تصور طرفيه، والمشاهدات: قضايا يُحكم بها بواسطة الحس الظاهرة، وتسمى حسيات كالحكم بأن الشمس مضيئة، أو الحواس الباطنة وتسمى وجدانيات كالحكم بأن لنا خوفاً وغضباً.

(وَمُجَرَّبَاتٌ) وهي ما يحتاج العقل في جزم الحكم به إلى تجرِبة، إلى تَكرار المشاهدة مرة بعد أخرى).

التجربة لا تكون إلا بالتكرار. يعني: مرة واحدة تقرأ كتاب لا تقول: جربتُ، قرأتُ كذا. لا، لا بد من مرة بعد أخرى؛ حتى تستنبط حكماً مبناه على التجربة، أما مجرد كتاب وتحكم جربتُ كذا!

قال هنا: (إلى تَكرار المشاهدة، مُخرجٌ الأَوَّلِيَّات والمشاهدات، والحدَسيات وما يليها.

وتفيد المجربات اليقين بواسطة قياسٍ خفي) هو ذكَرها من اليقينيات.

(بواسطة قياسٍ خفي وهو الوقوع المتكرر على وجهٍ واحد لا بد له من سبب).

يعني: إلى تكرار المشاهدة مرة بعد أخرى، لا بد مع انضمام قياسٍ خفي، وهو أنه لو كان اتفاقياً، لما كان دائماً أو أكثرياً، هذا القياس الخفي.

لأنه كلما تكرر مرة بعد مرة حصل نفس الحكم. إذاً: ثم سبب ومسبَّب، فالقياس الخفي هو أنه لو كان اتفاقياً لما كان دائماً أو أكثرياً.

قال هنا: (لا بد له من سبب، ومتى وُجد السبب وجد مسببُه يقيناً، وهي قسِمان –المجربات-: خاصة نحو: السَّقَمُونِيَا) بفتح السين والقاف (السَّقَمُونِيَا تسهل الصفراء) نبتٌ له دَورٌ (تسهل الصفراء، وعامة نحو: الخمر مسكر).

قال: (إلى تَكرار المشاهدة مرة بعد أخرى) (كَقَوْلِنَا: السَّقَمُونِيَا مُسَهِّلَةٌ لِلصَّفْرَاءِ) هذه مجربة لكنها خاصة، والعامة: الخمر مسكرٌ.

(وَحَدْسِيَّاتٌ) (وهي ما يحكم فيه العقل بحدْسٍ مفيدٍ للعلم) يعني: ظن وتخيُّل وتخمين.

قال: السَّقَمُونِيَا: نبتٌ يستخرج من تجاويفه شيءٌ رطبٌ، ويُجَفَّف مضادٌ للمعدة والأحشاء، أشد من جميع المسهِّلات تُصلحه الأشياء العطرة كالفلفل والزنجبيل .. إلى آخره.

(بحدْسٍ) أي: حَرْزٍ وتخمين قوي مُخرج لباقي اليقينيات.

قوله: (مفيدٌ للعلم) أي: دُفعة، بخلاف الحاصل بالتجربة فتدريجي، الذي يحصل بالتجربة، العلم الحاصل منه اليقيني -على كلامه ليست بظنية- نقول: هذا يحصل تدريجياً ليس دفعياً (ولذا اختلف الناس فيه بُطئاً وسرعة).

قال هنا: (وهي ما يحكم فيه العقل بحدْسٍ مفيدٍ للعلم) حدْسٍ بإسكان الدال.

(كقَوْلِنَا: نُورُ القَمَرِ مُسْتَفَادٌ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ).

هذا حدسية .. ظن، ما رأوها .. قديماً هذا، قد يكون الآن أثبت شيء الله أعلم به، لكن قديماً هذا من باب الظنيات .. التخيُّل.

(لاختلاف تشكُّلاته) صوره وهيئته النورية المنسوبة إلى النور (بحسب قُربه) أي: القمر (من الشمس، وبُعده) أي: القمر (عنها).

(وفُرِّق بينها وبين المجربات بأنها واقعة بغير اختيارٍ بخلاف المجربات).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015