(فالمراد ببداهة تلك المقدمات: هو أنه بعدَ تصور الطرفين يكون الحُكم بالنسبة بديهياً أي: لا يحتاج لشيءٍ بعد تصور الطرفين، وإن كانت الأطراف قد تكون نظرية) يعني: النسبة بينهما.
قال: (والسواد والبياض لا يجتمعان).
(وَمُشَاهَدَاتٌ) هذا النوع الثاني.
(وهي: ما لا يَحكم فيه العقل بمجرد ذلك) يعني: تصور طرفين.
(بل يحتاج إلى المشاهدة بالحس) خرج به المجرَّبات وما يليها.
قال: (فإن كان الحس ظاهراً، كالبصر والسمع، واللمس فتُسمى حسِّيات) (كَقَوْلِنَا: الشَّمْسُ مُشْرِقَةٌ وَالنَّارُ مُحْرِقَةٌ).
الشمس مشرقة هذا يُدرك بالبصر مثلاً، رأيتَها أشرقت الشمس.
والنار محرقة باللمس، هذه حِسيّات.
(وإن كان باطناً) يعني: الحس الباطن.
(فوُجدانيات كقولنا: إن لنا جوعاً وغضباً) الجوع باطن، والغضب كذلك باطن.
قال هنا: (جعَلَ الشارح المشاهدات شاملة للحسيات والوجدانيات) والكثير منهم يفْصِلون بينها، يجعلون الحسيّات هذه منفصلة والوُجدانيات هذه منفصلة.
قال: (جعلَ الشارح المشاهدات شاملة للحسيات والوجدانيات، كما في الشمسية.
ومنهم من جعل الحسيات قسماً مستقلاً، وخصص من المشاهدات بالوجدانيات.
والأحكام الحسية والوجدانية كلها جزئيات) هذه قاعدة.
الأحكام الحسيّة كل ما كان مدركاً بالحس فهو جزئي؛ لأنه خاص ليس كلّي، يعني: لِمس بارد، فنقول: هذا حكمٌ جزئي؛ لأن اللمس منك خاص والنار خاصة، أنت ما لمست مثلاً الماء البارد كله في العالم حتى يكون كلّي لا، وإنما شيءٌ خاص.
كذلك النار محرقة، حينئذٍ الذي لمَس هذا جزئي، والنار خاصة .. جزئية؛ لأنها شيءٌ معيّن ليست كل النار.
إذاً: الأحكام التي تترتب على الحس كلها جزئية، والأحكام الحسية والوجدانية كلها جزئيات، فإن الحس الباطني مثلاً لا يفيد إلا أن هذا الجوع مؤلِم لزيد، هو الذي شعر به ولم يشعر به غيره، وإن شَعر غيره بالجوع -بمطلق الجوع- لكن بجوعٍ خاص، الذي شعر به زيد هذا لا مؤلم، وأما الحكم على كل جوعٍ أنه مؤلم فعقليٌ.
كقاعدة كُلِّيَّة: الكُلِّيَّات التي بُنِيت على الحسيات هذه عقليات، ولذلك نقول: النار محرقة. هذه جزئية حسية، وقد تكون عقلية.
أنت الآن تعرف أن النار محرقة، لكن ما جرّبت "عافاك الله" لكن تحكم، حكمك هذا عقلي ليس بحسي؛ لأنك ما جربت، لو لمست ووجدت الحرارة والحُرقة، حينئذٍ هذا يسمى حسيّاً، وأما أن تحكم بأن الماء بارد أو المكيف بارد وأنت ما جرّبت، نقول: هذا يسمى حكماً عقلياً.
فالقواعد العامة والكُلِّيَّات المأخوذة من الحسيات هذه عقليات، وأما الجزئي فهو حسي.
ولذلك قال: (وأما الحكم على كل جوعٍ أنه مؤلم فعقليٌ، استُفيد من الإحساس بجزئيات ذلك، والوقوف على عِلَّته، وكذا الحس الظاهر كاللمس، لا يفيد إلا أنَّ هذه النار حارة) فقط .. خاصة جزئية.
(وأما الحكم على كل نارٍ بأنها حارة فحُكم عقليٌ مبدأُه الحس).
يعني: فلان أحرقته، وزيد وعبيد .. إلى أن صار حكماً عاماً فاستقر.
قال هنا: (فحكم عقليٌ مركب من الحسي والعقلي لا حسي مجرد، ولا تقوم حجة على الغير بالحس إلا إذا شارك في إحساس الشيء؛ إذْ إنكارُه حينئذٍ مكابرة).