يعني: الحدسيات هذه ليس فيها اختيار، بخلاف المجربات فإنه يختارها، يعني: بفعل الفاعل .. اختيار الفاعل.
قال: (وفُرِّق بينها) أي: الحدسيات.
قال السعد: الحدسيات كالمجربات في تكرر المشاهدة، ومقارنة بالقياس الخفي، إلا أن السبب في المجرَّبات معلوم السببية، مجهول الماهية، وفي الحدسيات معلومٌ بالوجهين.
قال هنا: (وفُرِّق بينها وبين المجربات بأنها) أي: الحدسيات.
(واقعة بغير اختيارٍ بخلاف المُجربات فإنها بالاختيار).
قال هنا: (قال الرازي: الفرق بين التجرِبة والحدْس: أن التجربة تتوقف على فعلٍ يفعله الإنسان حتى يحصلَ المطلوب بسببه، فإن الإنسان لم يجرب الدواء بتناوله وإعطائه غير مرة بعد أخرى، لا يحكم عليه بإسهالٍ أو عدمه) مرة واحدة لا يحكم، ولو حصل شيءٌ لا يجزم به.
ولذلك هنا ترتبط قاعدة السببية في باب التوحيد: كل ما لم يثبته الشرع سبباً شرعاً أو قدراً، فالاعتماد عليه يُعتبر إما: شركٌ أكبر وإما شركٌ أصغر، وإن كان الأصل في إطلاق القاعدة الشرك الأصغر، لكن قد يكون، على حسب الاعتقاد هنا؛ لأنه كلما كان الشرك أصغر لا يمنع أن يكون أكبر، كلما يقال فيه أنه من صور الشرك الأصغر لا يمنع أن يكون من الشرك الأكبر.
ولذلك الرياء الذي لا يستمر شرك أصغر، لكن قد يكون أكبر .. إذا غلب على الإنسان قد يكون أكبر.
قال: (بخلاف الحدْس فإنه لا يتوقف على ذلك، وهو قريبٌ مما ذكره الشارح).
قال هنا: (والحدْس سرعة الانتقال من المبادئ إلى المطالب، ويقابله الفكر، فإنه حركة الذهن نحو المبادئ، ورجوعِها عنه إلى المطالب، فلا بد فيه من حركتين بخلاف الحدْس؛ إذ لا حركة فيه أصلاً، والانتقال فيه ليس بحركة).
قال: (سُرعة الانتقال) قال: (فيه تسامح؛ لأن الانتقال في الحدس دفعي من المبادئ إلى المطالب) عرَفنا المبادئ والمطالب، وحقيقتُها: أن تسنح المبادئ المرتبة في الذهن فيحصل المطلوبُ.
قال: (والمجربات والحدسيات لا يُحتج بها على الغير؛ لجواز ألا يكون له شيءٌ منهما) يعني: إذا عندك مقدمة ثبتت عن تجربة، هل تحتج بها على الغير؟ لا؛ لأنه قد يكون لم يجرب هو، فكيف يسلِّم بها؟ المناظرة يستلزم تسليم المقدمات.
(وَمُتَوَاتِرَاتٌ) (وهي ما يحكم فيه العقل بواسطة) هي (السماع) يعني: إضافة بيانية.
(من جمعٍ يُؤمن تواطؤهم على الكذب) كما هو الشأن في باب المصطلح.
(فهي قضايا يحكم بها العقل بواسطة كثرة الشهادات الموجبة لليقين، كالعلم بوجود مكة) يعني: الذي لم يرى مكة فحينئذٍ العلم بوجود مكة يقين؛ لأنه أخبره زيد وعمرو وشاع .. إلى آخره، فإذا كان كذلك كثُرت المشاهدات والإخبار، فصارت كل واحدة في قوة قضية، هذا يسمى تواتراً.
قال: (فهي قضايا يحكم بها العقل بواسطة كثرة الشهادات الموجبة لليقين، كالعلم بوجود مكة، وحصول اليقين يتوقف على أمرين: الأمن من التواطؤ على الكذب) يعني: اتفاق (واستناد الخبر إلى المحسوس، ولا ينحصر مبلِّغ الشهادات في عددٍ، بل القاضي بكمال العدد حصولُ اليقين).
والمسألة خلافية كذلك في علم المصطلح.
(قال السعد: وشرطُه الاستناد إلى الحس؛ حتى لا يُعتبر التواتر إلا فيما يستند إلى المشاهدة).
قال: (كَقَوْلِنَا) يعني: في مثاله على اليقينيات.