(حمداً بليغاً) أي: بالغاً غاية الكمال؛ حيث صدر عن كمال الحضور القلبي بحسب الظن يعني: حسن الظن بالمصنِّف، مع ما أفادته الجملة الفعلية التجدُّد والحدوث.
(عَلَى تَوْفِيقِهِ) ومر معنا التوفيق كلام ابن القيم رحمه الله تعالى: أن لا يكلك الله إلى نفسك. يعني: أن لا يُخلي بينك وبين نفسك؛ لأنه لو خُلِّي بينك وبين نفسك فإن النفس لأمّارة بالسوء.
والخذلان عكسُه: أن يكلك الله تعالى إلى نفسك، فيُخلي بينك وبينها. فحينئذٍ النفس تكون هي الآمرة والناهية، فإذا كان كذلك هلك الإنسان.
قال هنا: (أي خلقِه قدرة الطاعة فينا عكسُ) يعني: ضد "خلاف" (الخذلان، فإنه خلق قدرة المعصية).
وهذا بناءً على طريقة الأشاعرة، وهو المراد بالكسب، لذا قال هنا: أي الكسب المقارِن لها.
الاستطاعة والطاقة والقدرُ والوسعُ هذه ألفاظٌ متقاربة. يعني: إذا تكلَّم أهل السنة في هذا المقام قالوا: الاستطاعة مرادهم القُدرة، ومرادهم كذلك الطاقة، ومرادهم كذلك الوُسع.
فإذا جاء اللفظ في الكتاب والسنة بالوسع والقدرة .. كلها بمعنى واحد.
وتنقسم الاستطاعة -أي: القدرة- إلى قسمين عند أهل السنة والجماعة، وهو قول عامة أهل السنة والجماعة، أشار إلى ذلك التفصيل الطحاوي رحمه الله تعالى في قوله: والاستطاعة التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق، الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به تكون مع الفعل.
وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكُّن وسلامة الآلات فهي قبل الفعل، إذاً: المسلم عنده استطاعتان: استطاعة مع الفعل لا يكون الفعل إلا بها، وهذه التي عناها المصنف وينفُون ما قبلها، واستطاعة قبل الفعل وهي كونُه أهلاً بالتكليف.
حينئذٍ عنده من سلامة الآلات ما يُقبِل على الصلاة، ما يُقبل على الحج ونحو ذلك.
هذه تسمى استطاعة أو لا؟ تسمى استطاعة، عند بعضهم لا تسمى استطاعة وهو الذي قدَّمه المصنف هنا.
قال هنا: وسلامة الآلات فهي قبل الفعل، وبها يتعلق الخطاب، وهو كما قال تعالى: ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)) [البقرة:286] يعني: ما في وسعها، والذي في وسعها هو الذي تقدِر على التلبُّس به.
فالعبد له قدرةٌ هي مناط الأمر والنهي، وهذه قد تكون قبله، لا يجب أن تكون معه، والقدرة التي بها الفعل لا بد أن تكون مع الفعل لا يجوز أن يوجد الفعل بقدرةٍ معدومة، وأما القدرة التي من جهة الصحة والوسع والتمكُّن وسلامة الآلات فهذه قد تتقدم الأفعال، وهذه القدرة هي المذكورة في قوله تعالى: ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)) [آل عمران:97] إلى آخر الكلام الذي ذكره ابن أبي العز في شرح الطحاوية فليُرجَع إليه.
والمراد هنا التشويش على المصنف فقط، ليس المراد تحقيق المسألة.
أي: (خلقِه قدرة الطاعة فينا عكس الخذلان، فإنه خلق القدرة المعصية) هذا تفسير الكسب عند الأشعرية.
قال: (وإنما حمِد الله على التوفيق أي: في مقابلته لا مطلقاً).
يعني: الحمد هنا مقيَّد أو مطلق؟ مقيّد (نَحْمَدُ اللهَ تَعَالَى عَلَى تَوْفِيقِهِ) إذاً قيَّده.
أيهما أفضل الحمد المطلق أو الحمد المقيّد؟ قولان: منهم من قدّم المقيد، ومنهم من قدّم المطلق.