هنا قال: (واختار الجملة الفعلية على الاسمية هنا) يعني: في الحمد وفيما يأتي، قوله: نصلي ونسأله لكن ليس بظاهر، الصواب أنه مخصوصٌ هنا، وأما نصلي ونحوه فهذا الأولى أن يقال بأنه للمُشاكلة فقط، لو أسقطه لكان أولى، والأولى في توجيه الاختيار فيها بمُشاكلته جملة الحمد لتناسُق الجُمل، ويحسن العطف.
قال هنا: (قصداً لإظهار العجز عن الإتيان بمضمونها على وجه الثبات والدوام).
والدوام هذا قيل: تفسيرٌ للثبات.
يعني: لماذا لم يأت بالجملة الاسمية؟ وهذا فيه تكلُّف وإلا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الحمد لله، والصحابة يحمَدون الله تعالى، والتابعون كذلك، والقرآن أوله ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الفاتحة:2] ففيه تعليمٌ للناس أن يقولوا: الحمدُ لله رب العالمين.
ولذلك قدَّر بعضهم في أول الفاتحة: قولوا: الحمد لله رب العالمين، والجملة في محل النصب.
إذاً لا إشكال فيه، لكن هذا التعسُّف من أجل الاعتذار عن المصنف.
قال: (قصداً) العدول هذا قصداً (لإظهار العجز عن الإتيان بمضمونها) لأن الجملة الاسمية تدل على الدوام، فإذا حمِد وأثنى على الله تعالى بهذه الجملة هو عاجز لا يستطيع أن يُثني على الباري جل وعلا بما دلت عليه هذه الجملة، فعَدل عنها إلى ما يفيد التجدد تارة بعد أخرى، فقد يقع منه حمدٌ ثم يقف، ثم يقع منه حمدٌ ثم يقف .. إلى آخره.
لكن نقول: هذا فيه شيءٌ من التعسُّف لأنه مخالفٌ للسنة أصلاً، ومخالفٌ لتعليم القرآن.
(قصداً لإظهار العجز عن الإتيان بمضمونها على وجه الثبات والدوام).
وأتى بنون العظمة: نحمد، النون هذه تدل على المتكلم ومعه غيرُه إما حقيقة وإما ادعاءً، وهنا يحتمل أنه تكلم واستشعر معه غيرَه، من باب التواضع والانكسار، وأنه لا يستطيع بنفسه أن يحمَد الله تعالى، وإنما يُشرِّك معه غيره.
فنقول: لو شَرَّكت معك غيرك هل أعطيت الباري جل وعلا حقه من التعظيم والتبجيل؟ إذاً: فيه شيءٌ من التكلف.
قال: (إظهاراً لملزومها) الذي هو العظمة.
(الذي هو نعمة من تعظيم الله تعالى له بتأهيله للعلم امتثالاً).
يعني: ليس المراد هنا أن معه غيرَه، وإنما فيه شيءٌ من التعظيم: عظَّم نحمد الله، يعني: فيه إشارة إلى تعظيم نفسه، لماذا تعظيم نفسه؟
لأن الله تعالى هو الذي عظَّمه، عظّمه بأن جعله من أهل العلم، وقال تعالى: ((وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)) [الضحى:11] ولذلك قال: (إظهاراً) أي: قصداً لإظهار ملزومِها الذي هو التعظيم.
ولا شك أن تعظيم الله تعالى للعبد بتأهُّله للعلم من أجل النعم، فيكون التعظيم من أفراد النعم. ففيه إشارة إلى هذا المعنى.
(إظهاراً لملزومها الذي هو نعمة من تعظيم الله تعالى).
من تعظيم. هذا بيانٌ للملزوم، فتكون العظمة لازمة والتعظيم ملزوم.
امتثالاً لقوله تعالى: ((وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)) [الضحى:11].
ثم قال: (أي: نحمده حمداً بليغاً) أعاد نحمده لطول الفصل.
(نحمَده) يعني: نحمد الله تعالى أي: نُثني عليه الثناء اللائق به جل وعلا.