حينئذٍ التلفظ يستلزم التعقل، التعقل الذي هو التصور، فإذا حصل التصور حينئذٍ صار هذا اللفظ دليلاً على المعقول، فحينئذٍ المعقول إما ابتداءً وإما بواسطة اللفظ.
(وليس المقصود من التلفظ إلا إحضارُ ذلك المتعقَّل في الذهن، فالملحوظ المستلزَم هاهنا هو المعاني، إلا أنه في قالَب الألفاظ فيصدق عليه أنه مؤلَّفٌ يستلزم لذاته قولاً آخر، بمعنى أنه كلما تلفظ به العالِم بالوضع لزِمه العلم بالمطلوب الخبري .. ) إلى آخر كلامه.
إذاً: النظر في دلالة المقدمتين استلزاماً للنتيجة باعتبار اللفظ لا لذات اللفظ، بل بكونه متعقَّلاً في الذهن، حينئذٍ رجَع إلى المعقول، واللفظ والتلفظ يكون دالاً فقط، وإلا القياس في الأصل هو القياس العقلي.
قال هنا: (مَتَى سُلِّمَتْ لَزِمَ عَنْهَا لِذَاتِهَا قَوْلٌ آخَرُ).
(لَزِمَ) (مراده اللزوم الذهني بمعنى: أن المقدمتين متى حصلتا في الذهن انتقل الذهن إلى النتيجة، سواءٌ كان اللزوم بيِّناً) ما هو اللزوم البيّن؟ الذي لا يحتاج إلى دليل.
(كما في الشكل الأول أو غير بيِّن) وهو الذي يحتاج إلى دليل (كما في بقية الأشكال.
ثم إن أُريد باللزوم عدم الانفكاك عقلاً كان التعريف جارياً على مذهب الحكماء والمعتزلة، وإن أُريد عدم الانفكاك في الجملة سواءٌ كان عقلياً أو عادياً صح على رأي الأشاعرة).
يعني: هل الدليل هنا يستلزم المدلول عقلاً أو ضرورة أو عادة؟ عادة، قد يتخلَّف.
قال هنا: (مَتَى سُلِّمَتْ لَزِمَ عَنْهَا لِذَاتِهَا قَوْلٌ آخَرُ).
قال: (قَوْلٌ آخَرُ. فصلٌ مخرجٌ مجموع قولين -يعني: قضيتين- كجاء زيدٌ وذهب عمروٌ، فإنَّ مجموعَهما وإن استلزَم إحداهما استلزام الكل لجزئه لكن اللازم ليس مغايراً لكلٍ منهما، بل عينُ إحداهما.
وأيضاً ليس لكل واحدة منهما دَخَلٌ في استلزام الأخرى، وإلا لزِم أن الجزء يستلزم الكل).
يعني: ليس كلما ضُمَّت قضيتان قيل أنَّ كلاً منهما يستلزم الآخر. نقول: جاء زيدٌ وذهب عمروٌ ليس بينهما استلزام؛ لأن هذا الاستلزام لا بد أن يكون منطبقاً على القواعد الآتي ذكرُها في الأشكال ونحوها. يعني: لا بد من وجود الحد الأوسط، ولا بد من تَكراره، لا بد أن يكون من الأشكال الأربعة، لا بد أن يكون منتِجاً.
حينئذٍ يكون مستلزماً، وأما هكذا ضمُّ قضية إلى قضية ثم يقول: هذا قياس لا، ليس كل قضية تُضم مع أخرى نقول: هذا قياس، بل لا بد من استيفاء الشروط الآتي ذِكرُها.
قال: (مَتَى سُلِّمَتْ لَزِمَ عَنْهَا لِذَاتِهَا قَوْلٌ آخَرُ) (أي: مغايرٌ لكلٍ منهما) يعني: عنى بكون هذا القول .. بكونه آخر يعني: مغايِر.
يعني: ليس هو عين المقدمة الصغرى وليس هو عين المقدمة الكبرى، بل لا بد أن تكون النتيجة مغايِرة.
ولو كانت من حيث المادة موجودة مذكورة يعني: من حيث الموضوع والمحمول: العالم متغيِّر وكل متغيِّر حادث العالم حادث، جملة: العالم حادث مبتدأ وخبر وموضوع ومحمول ليست موجودة، لكن كلمة "العالم" ملفوظٌ بها، وكذلك "حادث" ملفوظٌ بها.
إذاً: المراد (قَوْلٌ آخَرُ) هنا أنه مغايرٌ لكلٍ من المقدمتين، ولا يكون عين إحدى المقدمتين.
(قَوْلٌ آخَرُ) (أي: مغايرٌ لكلٍ منها) أي: الأقوال.