(بحيث لا يكون عينَ قضية منها، وإن كان مؤلفاً من حدودها، وحاصل معنى المغايرة هنا: أن لا يكون القولُ عينَ الصغرى ولا نفس الكبرى) عين ونفس بمعنى واحد.
قال هنا: (فالمؤلَّف من قولين. كقولنا: العالم متغيِّر وكل متغيِّر حادث، وهذا مؤلَّفٌ من قولين يلزم عنهما -عن القولين- قولٌ آخر وهو النتيجة) وهو العالم حادث.
(والمؤلَّف من أكثر من قولين) لأنه قال: من قولين فأكثر.
مُفادُه: أنَّ القياس قد يتألف من أكثر من مقدمتين، لكن بالتنصيص أنه لا يتألف من قضية واحدة، ولذلك قلنا: من أقوال خرج من قضية واحدة، ولذلك قولُه: (قَوْلٌ) شمل القياس -وهو جنس- شمل القياس والقضية الواحدة، من قولين أو من أقوال أخرج القضية الواحدة.
إذاً: القضية الواحدة لا تسمى قياساً، وإن استلزَمَتْ؟ وإن استلزمت؛ لأن الجملة الواحدة تستلزم نقيضها، وكذلك الأصل يستلزم عكْسَه. إذاً: فيه معنى الاستلزام لكنه لا يسمى قياساً؛ لأن القياس لا يكون من قضية واحدة، فلو كانت مستلزِمة لشيءٍ آخر إلا أنه لا يكون قياساً.
قال: (والمؤلَّف من أكثر من قولين كقولنا: النبَّاشُ) النبَّاش هذا السارق، لكنه سارق خاص يعني: يسرِق الأكفان.
(النبَّاش) (أي: لقبرِ الميت عَقِبَ دفنِه؛ لأَخذِ كفنِه).
(النبّاش آخِذٌ للمال) الكفن يعني، الكفن مال.
(النبّاش آخذٌ للمال خُفْية) هذه مقدمة.
(وكل آخذٍ للمال خفيةً سارق) هذه كبرى، والسابقة صغرى.
(وكل سارقٍ تُقطع يدُه) هذه ثلاث (فهذا مؤلَّفٌ من ثلاثة أقوال، يلزم عنها قولٌ آخر وهو: النبّاش تُقطعُ يدُه).
إذاً: هذا مثالٌ لقياس مؤلَّف من ثلاث مقدمات: الأُولى: النبَّاش آخذٌ للمال خفية.
الثانية: كل آخذٍ للمال خفية سارق.
وكل سارق تُقطع يدُه. فهذا مؤلفٌ من ثلاثة أقوال يلزم عنها قولٌ آخر: والنبّاش تُقطع يدُه، هذا يسمى قياساً مركباً.
والأول قال: يسمى قياساً بسيطاً والثاني: قياساً مركباً.
(يسمى قياساً بسيطاً، تسميتُه بذلك لمقابلة المركّب الذي هو من أكثر من مقدمتين -تقابل بسيط ومركَّب- وإلا فهو مركَّبٌ أيضاً) هو مركَّب .. مؤلَّف من قضيتين.
إذاً: التركيب موجود هنا وموجودٌ هنا، لكن لما كان في مقابلة ما زاد على قضيتين .. مقدِّمتين، فحينئذٍ سُمّي بسيطاً.
يعني: جاء على أصله، أقل ما يصدُق عليه أنه قياس مقدمتان، فسُمّي بسيطاً. إن زاد على ذلك فهو مركَّب لزيادته على الأصل.
(وإلا فهو مركَّبٌ أيضاً، لكنهم قصدوا المغايرة بينهما في التسمية رفعاً للالتباس.
وخصوا البساطة به لأن المقدمتين أقلُّ من الثلاثة فهو إلى البساطة أقرب، بل جاء على أصله.
أو أنه لما كان بحسب الظاهر مركباً من قياسين ناسَب أن يسمى مركَّباً في مقابلة البسيط المركَّب من مقدمتين.
ثم الحقُّ: أن القياس إنما يتركب من مقدمتين فقط) وأما هذه الثلاث المقدمات فهي قياسان متداخلان يعني: قياسان مؤلفان من قياسين بسيطين، حُذِفت فيه إحدى النتيجتين.
يعني: القياس الأول حُذفت نتيجتُه، فحينئذٍ جيء بكبرى جُعلت ضمناً مع صغرى النتيجة -القياس الأول- لكنها لم يُلفظ بها، بل هي محذوفة، فحينئذٍ جُعل قياس في ضمن قياس.
(ثم الحق: أن القياس إنما يتركب من مقدمتين فقط.