الابتداء الإضافي يعني: بالإضافة إلى ما بعده، بالنسبة إلى ما بعده، حينئذٍ الابتداء الإضافي هو الذي لم يُسبَق بشيءٍ من المقصود، وقد يسبقه شيءٌ من غير المقصود، فإذا قال: ((بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ)) [الفاتحة:1 - 2].
((الْحَمْدُ لِلَّهِ)) هل سبقها شيءٌ مما يتعلق بشرح الكتاب أو المنطق؟ لا لم يسبقه شيء، لكن هل سبقه شيءٌ آخر غير المقصود؟ نعم.
هذا يسمى ابتداءً إضافياً يعني: بالنسبة إلى ما بعده.
إذْ الابتداء حقيقي وإضافي، فالحقيقي حصل بالبسملة، والإضافي بالحمدلة جمعاً بين النصين.
(وقدَّم البسملة) هذا سؤال أو اعتراض، إذا أمكن الجمع بين النصين.
قلنا كلٌ منهما يصح الابتداء به، لماذا قدَّم البسملة وأخّر الحمدلة، لم لا يعكس؟ ما دام هذا ابتداءٌ حقيقي وهذا ابتداءٌ إضافي لماذا لا يعكس؟ يقول: الحمد لله رب العالمين، بسم الله الرحمن الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله. يصح أو لا يصح؟
من حيث الجواز لا إشكال فيه، لكن من حيث الترتيب الشرعي الذي هو المستحب فيقدِّم البسملة ثم الحمدلة؛ اقتداءً بالكتاب، لأننا وجدنا الكتاب العزيز الذي هو القرآن جمعَ بين الابتدائين: الابتداء بالبسملة والابتداء بالحمدلة، وقدَّم البسملة على الحمدلة، وهذا محل وفاق.
قال: (وقدَّم البسملة عملاً بالكتاب والإجماع) لو قال: اقتداءً بالكتاب لكان أولى أو تأسياً بالكتاب "يعني: بالقرآن" حيث بدأ أول الكتاب بالبسملة ثم ثنَّى بالحمد ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الفاتحة:2] أول آية في الفاتحة.
قال هنا: (واختار الجملية الفعلية على الاسمية هنا وفيما يأتي قصداً لإظهار العجز عن الإتيان بمضمونها على وجه الثبات والدوام).
قال: (نَحْمَدُ اللهَ) جاء بالجملة الفعلية، ولم يأت بالجملية الاسمية.
قال: (واختارَ الجملية الفعلية).
اختار يعني: قدَّم.
يعني: يجُوز الوجه الآخر وهو الجملة الاسمية، لكن اختارَ يعني: قدّم.
قدّم الجملية الفعلية يعني: المبدوءة بالفعل وهي: (نَحْمَدُ اللهَ) على الاسمية وهي: الحمد لله، وإن كانت هي الصيغة الشائعة، ولذلك جاء في القرآن دائماً في أول الآيات وفي خواتمها يأتي: والحمدُ لله رب العالمين، الحمدُ لله رب العالمين. يأتي بالجملة الاسمية.
لكن قد يُعدَل عن الجملة الاسمية إلى الجملة الفعلية لنكتة، ولذلك جمع بينهما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خطبة الحاجة: إنَّ الحمدَ لله. هذه جملة اسمية.
"إنَّ" إذا دخلت على المبتدأ لا تخرجه عن أصله.
"إن الحمد لله" جملة اسمية، "نحمده" جملةٌ فعلية.
إذاً: لو كانت الجملة الفعلية هي عين الجملة الاسمية في المعنى والدلالة لكان هذا حشواً، إذاً: لا بد من الفرق بينهما، وإلا لقلتَ بأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد زاد جملة هنا وهو أفصح البشر عليه الصلاة والسلام، فحينئذٍ نحكم عليه بكونها حشواً لأنها لا فائدة فيها، ولذلك نقول: الجملة الفعلية تغاير الجملة الاسمية.
الجملة الاسمية قالوا تدل بالوضع على مطلق الثبوت، والمراد بالثبوت الحصول.
لو قلت: زيدٌ قائم. دلت الجملة الاسمية على ثبوت قيام زيد، وعرفنا كيف أخذنا ثبوت قيام زيد.