(والمصنف عدل عنه إلى تعريفها باعتبار الصدق والكذب اللذين هما صفتا المتكلم، مع أن تعريف الشيء بحال نفسه أولى من تعريفه بحال متعلَّقه).

بحال نفسه يعني: الخبر وهو كذلك، وهو أولى وهذا مسلَّم، وإن كان هو يعترضه لكن هذا هو الأولى؛ لأنا نحن نعرِّف القضية باعتبارها هي لا باعتبار المتكلم، نحن لا نبحث في المتكلم وإنما نبحث في كلام المتكلم، إذا كان كذلك فحينئذٍ نعرِّف القضية باعتبار نفسها لا باعتبار متعلَّقها الذي تعلقت به وهو المتكلم.

قال: (مع أن تعريف الشيء بحال نفسه أولى من تعريفه بحال متعلَّقه).

قال: (والمشهور أحط من المذكور).

ما معنى المشهور أحط من المذكور؟

(المشهور) يعني: ما احتمل الصدق والكذب لذاته.

(أحطُّ) يعني: أنزلُ درجة.

(من المذكور) الذي معنا (يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ إِنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ أَوْ كَاذِبٌ).

يعني: يرجِّح هذا التعريف على التعريف المشهور، وهذا الترجيح فيه نظر؛ لأن القضية من حيث هي، نقول: التعريف لها باعتبار ذاتها لا باعتبار متعلَّقها، وهذا الذي ينبغي اعتمادُه.

ولو قيل: ثم دورٌ أو ثم أشياء أخرى تتعلق بتعريف القضية من حيث ذاتها، نقول: هذا يمكن تقييده ويمكن الجواب عنه.

لكن ابتداءً الأصل: إنما نعرِّف القضية لا نعرِّف القائل.

القضية .. قال هنا: (قَوْلٌ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ) نقول: لا. الصدق والكذب هذان وصفان للقضية، كون الصدق مطابقة النسبة الكلامية للواقع أو عدم مطابقتها للواقع. إذاً: هذا باعتبار اللفظ نفسه.

وأما باعتبار القائل فلا نظر فيه البتة، فنخالف هنا العطار.

قال: (والمشهور أحط من المذكور؛ لظهور توجه لزوم الدور على التعريف المشهور، لاشتهار تعريف الصدق والكذب اللذين هما صفتا القضية لمطابقة الخبر للواقع، وعدم مطابقة الخبر للواقع.

بخلاف اعتبار صدق المتكلم في التعريف فإنه: الإخبار عن الشيء على ما هو به.

واعتبار كذِبه فيه فإنه: الإخبار عن شيء على خلاف ما هو به) وهذا الذي ينبغي اعتماده: أن يقدَّم الصدق على الصادق، وأن يقدَّم الكذب على الكاذب؛ لأنه أصلاً لا يُعرَف الصادق إلا بمعرفة الصدق، ولا يُعرف الكاذب إلا بمعرفة الكذب.

فحينئذٍ كيف يقال بأن الدور يتوجه إلى التعريف المشهور؟ بل هنا نحتاج إلى تعريف الصدق أولاً، ثم بعد ذلك نعرِف الفرع وهو الصادق، ثم نحتاج إلى معرفة الكذب، ثم معرفة الكاذب.

(وبهذا ظهر أن قوله: لقائله ليس مستدركاً كما تُوهِم، وأن التعريف المذكور لا يرِد عليه الدور كما قيل به هنا، إنما يرِد على التعريف المشهور.

والمعرَّف هنا هي القضايا المستعملة في الأقيسة، فلم يدخل خبر الله تعالى وخبر رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن كل واحدٍ منهما دليل على حِدَته، على ما قُرر في الأصول، وهي أدلة نقلية، وكلامنا هنا في الأدلة العقلية وموادها وهي: القضايا العقلية).

يعني: جمودٌ على ما ذكره المتقدمون، لا يريد أن يُجعَل في المنْطِق والأقيِسة ما يمكن أن يُتوسَع فيه ويُجعل الدليل النقلي معتمداً فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015